لم تشكل المواقف الإسرائيلية والأمريكية خلال الساعات الأخيرة مفاجأة لكثير من الأوساط حين تحدثت عن معارضة أو عدم اشتراط وجود السلطة الفلسطينية في غزة لإتمام ترتيبات التهدئة مع حماس.
ففي حين أعلن وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس معارضته لعودة الرئيس عباس لغزة، لأنه يتعارض مع المصلحة الإسرائيلية، فقد تحدث مسؤول أمريكي كبير أن عودته ليست شرطا حتميا لإبرام التهدئة.
تحدثت هذه السطور غير مرة عن المصلحة الإسرائيلية من بقاء الانقسام السياسي والجغرافي في الساحة الفلسطينية، وأن إسرائيل تبذل كل جهد متاح، سياسي وأمني واقتصادي، من شأنه تأبيد الانقسام وتخليده، لكن أن تأتي هذه المطالبات علانية عبر وزير مرموق في حكومة الاحتلال، فقد تجاوز الأمر مرحلة التلميح إلى التصريح.
مهم التأكيد على أن الموقف الإسرائيلي مؤيد لبقاء الانقسام، وإن لم يتم الإعلان عنه، باستثناء هذا التصريح، لكن من الضرورة بحث تأثير هذا الموقف على مجريات مباحثات التهدئة الجارية في القاهرة، لا سيما وأن مصر وإسرائيل والمجتمع الدولي يفضلون أن تكون السلطة الفلسطينية هي من تدير شؤون القطاع، مما قد يعقد الأمور، ويضع العصي في دواليب التهدئة المأمولة.
إن بقاء السلطة الفلسطينية متمنعة إزاء طي صفحة الانقسام، وعدم مقابلة الخطوات الإيجابية التي قدمتها حماس حتى الآن، وعدم التجاوب مع الجهود المصرية الراغبة بقطع أشواط متسارعة بمسار المصالحة، قد يدفع مختلف الأطراف لتجاوز السلطة مضطرين مكرهين، رغم أن الأخيرة هي من فعلت بنفسها هذا.
الخيار الإسرائيلي الذاهب نحو إبقاء حالة الانقسام، تظهر السلطة الفلسطينية مساعدة له، حتى دون أن تقصد، بسبب رغبتها الجامحة باستلام غزة "من الباب إلى المحراب" وفق مبدأ "الإخضاع وليس الشراكة"، مما قد يجعل ما تقدمه إسرائيل من استحقاقات في مباحثات التهدئة قائم على الخطوات الأولية قريبة المدى، بعيدا عن إجراءات بعيدة المدى كإنشاء مشاريع كبيرة وفتح معابر دائمة، بحجة أن السلطة غير موجودة في غزة.
كأن السلطة الفلسطينية تراهن على هذا الموقف الإسرائيلي الذي يتذرع بعدم تواجدها في غزة، رغبة منها بـ"تبهيت" أي اتفاق للتهدئة، وعدم تجاوز الخطوات الإسرائيلية والإقليمية والدولية لبعض المعالجات السطحية للوضع الإنساني المتفجر في القطاع.
ترى إسرائيل أن انتقالها لخطوات كبيرة في غزة لمعالجة الظروف الإنسانية الصعبة قد تفسرها السلطة تنصلا من اتفاق أوسلو إذا فكرت مثلا بتحويل أموال المقاصة للقطاع، لحل قضية رواتب الموظفين، رغم تراجع قيمتها، أو إن فكرت مصر بإدارة غير مباشرة لغزة، وهنا قد تعمد السلطة لتأليب الدول العربية على القاهرة، مما يجعل الأخيرة تتراجع عن ذلك.