رغم كثرة الأحداث والمواضيع التي تهم الإنسان العربي بشكل عام، ورغم تعدد ساحات الاشتباك، وتداخلها المصيري، إلا أن الحديث عن قطاع غزة واجب وطني في هذه المرحلة، وذلك لأننا نعيش حالة غزة بشقيها السياسي والإنساني بشكل يومي، ونتلمس مدى ارتباط حالة غزة بالأمن الإسرائيلي بشكل مباشر، ونحن ندرك مدى ارتباط الأمن الإسرائيلي بمجمل الأحداث في المنطقة، من هنا، فإن الحديث عن غزة هو بوابة الحديث عن المغرب والجزائر وليبيا ومصر وتونس وسوريا واليمن والسعودية والسودان وحتى تركيا وإيران، فأصل الصراع في المنطقة قضية فلسطين، وأصل التآلف والتنافر هو الاقتراب والابتعاد عن قضية فلسطين، والتي انحصرت في الفترة الأخيرة في أحداث غزة، وتفاعلاتها، ومستقبلها الذي سيقرر مستقبل المنطقة برمتها، فإما الخضوع والخنوع لإرادة الصهاينة، وإما مواجهة المؤامرة على المنطقة بكاملها.
فماذا تقول القيادة الإسرائيلية عن غزة؟ وهل ستخوض غمار حرب رابعة ضد أهلها المحاصرين، أم ستفتش عن مسارب حلول تضمن الأمن الإسرائيلي لعدد من السنين، وتباعد بين المواجهة والمواجهة، ولاسيما أن نتائج أي مواجهة شاملة ضد غزة غير مضمونة النتائج بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، وغير آمنة للمجتمع الإسرائيلي في الوقت نفسه؟
سأحاول قراءة المشهد من خلال تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي خرج من اجتماع المجلس الوزاري المصغر، ليقول: إن المعركة ضد غزة، لن تنتهي بضربة واحدة. هناك تبادل لكمات، لكن مطلبنا واضح، وهو وقف كامل لإطلاق النار. لن نكتفي بأقل من ذلك!!.
هذا الكلام المسؤول يؤكد أن غاية الحكومة الإسرائيلية في هذه المرحلة هو الوصول لوقف كامل لإطلاق النار، وهذا دليل على أنالقيادة الإسرائيلية تعترف بعجزها عن تصفية المقاومة كما يتمنى البعض، وهذا يشير إلى انعدام النية لدى إسرائيل في خوض غمار حرب شاملة ضد غزة، كما يحرض البعض، والذي يؤكد على هذا الاستنتاج، وصف نتنياهو ما يجري على حدود غزة بتبادل اللكمات، فهو يضرب حقاً، ولكنه يتلقى الضربات، وهنا اعتراف بالتوازن النسبي، لذلك جاء الحسم اللفظي بلسان نتنياهو حين قال: إن المواجهة مع غزة لن تنتهي بضربة واحدة.
وكي يؤكد رئيس الحكومة الإسرائيلية موقفه الرافض لمواجهة شاملة، راح يكذب أمام وسائل الإعلام علانية، وهو يقول: "حتى الآن، دمّرنا مئات من الأهداف العسكرية لحماس، ومع كل جولة هجمات يفرض الجيش الإسرائيلي على حماس، دفع ثمن باهظ.
هذه كذبة كبيرة من نتنياهو الذي يعرف جيداً أن لا أهداف عسكرية للمقاومة، لا دبابات، ولا مطارات، ولا موانئ، ولا منشآت، ولا مؤسسات إنتاجية، ولا وحدات مدفعية، ولا مصانع تجارية وعسكرية، يعرف نتنياهو أن غزة سوافي رمل، وأرض زراعية، وعمارات سكنية، لذلك قصف عمارة المركز الثقافي، كي يتفاخر أمام الإسرائيليين بتدمير مكان واضح المعالم.
أحد الوزراء الإسرائيليين عزز ما سبق من رأي، حين قال بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء: ينبغي منح فرصة لإمكانية التوصل إلى تسوية وتفاهمات في قطاع غزة، بحال استمر الهدوء.
الهدوء مدخل لتفاهمات مع المقاومة، هذا هو ملخص السياسة الإسرائيلية، والذي يعتمد التصعيد المحدود ضد غزة بهدف الوصول إلى تفاهمات، وهذه السياسة التي اختارتها الحكومة الإسرائيلية لم تأت لغياب الرغبة في الحسم، وإنما جاءت لغياب القدرة على الحسم، ولضبابية المشهد السياسي العام في المنطقة، والذي لا يحتمل مغامرة عسكرية إسرائيلية محفوفة بالمخاطر، وغير مضمونة النتائج، بعد أربع سنوات من آخر عدان إسرائيلي ضد غزة، لم يسفر إلا عن الفشل، وتشكيل لجان التحقيق التي حملت مسؤولية الفشل في إخضاع غزة للمستوى السياسي والاستخباري والعسكري، وهذا ما تخشاه القيادة الإسرائيلية من أي مغامرة ضد أهل غزة.
فهل صارت غزة هي إسبارطة الأغريقية؟
تقول الرواية: بعد انتصاره على أثينا، أرسل الملك فيليب رسالة تهديد إلى مدينة إسبارطة، يقول فيها: لقد سيطرت على اليونان، فاستسلموا، استسلموا أشرف لكم وأرحم، واحذروا، فإن سيطرت على إسبارطة بالقوة، فسأقتل كل الرجال، وأحرق الزرع، وأدمر المدينة.
لقد رد أهل إسبارطة على الملك فيليب بحرف إن، قالوا له: إن سيطرت..
وغزة تقول لليبرمان وشتاينس كاتس ونفتالي بينت ونتنياهو: إن، إن استطعتم، فماذا تنتظرون؟ ولماذا تعقدون مجلسكم الوزاري المصغر ثلاث مرات في أسبوع واحد، والموضوع الوحيد على الطاولة هو غزة؟!!!