كان يوم أمس الأكثر هدوءا على حدود قطاع غزة الشرقية، سواء بالمسيرات الجماهيرية، أو بإطلاق البالونات الحارقة والطائرات الورقية المشتعلة، حيث تم تسجيل حريق واحد فقط في المستوطنات الجنوبية.
يتزامن هذا الهدوء اللافت والمفاجئ، فيما أعلنت فيه سلطات الاحتلال عن تسهيلات جديدة تتمثل في فتح معبر كرم أبو سالم، وتوسيع مساحة الصيد على شواطئ القطاع، ووعود بزيادة البضائع المدخلة إلى القطاع إن استمر الهدوء.
هذان التطوران الميدانيان حصلا في الوقت الذي شهدت فيه القاهرة وغزة تطورين سياسيين موازيين، فقد استضافت الأولى وفودا فلسطينية لبحث التهدئة والمصالحة، ووصل غزة مساعدو المبعوث الأممي ميلادينوف، والتقوا بقيادة حماس.
ربما تشكل هذه الأحداث مجتمعة بارقة أمل للفلسطينيين في القطاع الذين ينشدون حياة كريمة في حدها الأدنى، بعد أن أنهكهم الحصار، وأثخنتهم آثاره، وضربت في أطناب حياتهم تبعاته، وفي الوقت ذاته تبعد عنهم شر التهديدات الإسرائيلية من شن عدوان جديد عليهم.
في الوقت ذاته، صحيح أن هذه التطورات الميدانية قد تمنح الفلسطينيين في القطاع استراحة محارب، وفرصة لالتقاط الأنفاس، لكنهم يسعون لأكثر من حلول ترقيعية وإجراءات شكلية، وألا يبقوا تحت رحمة الاحتلال، متى ما "رضي عنهم" فتح لهم أبواب المعابر، ومتى ما "غضب منهم" أغلقها عليهم.
لقد انطلق الفلسطينيون في مسيراتهم الجماهيرية منذ الثلاثين من آذار بعنوان "العودة ورفع الحصار"، وليس تخفيفه، أو الحد منه، وما تعلنه (إسرائيل) في الساعات الأخيرة هو العودة لما كنا عليه قبل اندلاع هذه المسيرات، وترسيخ لسياسة "غزة لا تحيا ولا تموت" وتطبيق لشعار "إبقاء رؤوس الفلسطينيين فوق الماء".
لا يرفضن أحد أن يرتاح الفلسطينيون في غزة من حالة الاستنزاف الأمني والميداني، وهم يعيشون على أعصابهم، بانتظار عدوان إسرائيلي جديد، وفي الوقت ذاته يريدون أن يروا حصادا سياسيا يوازي ما قدموه من تضحياتهم الجسيمة، وشهدائهم العظام وجرحاهم الكرام، لا أن يعودوا لما كنا عليه قبل انطلاق هذه المسيرات.
مخطئ وواهم من يستهين بتهديدات الاحتلال بشن عدوان على غزة، وفي الوقت ذاته مخطئ وواهم بذات القدر من يقتنع بوعود الوسطاء الإقليميين والدوليين، الأقرب للاحتلال من الفلسطينيين، ويرخي أذنه لمعسول الكلام منهم على أمل أن يقنعوا (إسرائيل) بتقديم المزيد من التسهيلات الإنسانية.
إن كان من رغبة فلسطينية جادة برفع سيف التهديد الإسرائيلي المسلط على رقابنا، فلتكن ذات الرغبة بألا نلدغ من ذات الجحر: الإسرائيلي والإقليمي والدولي، فما إن ننطلق بفعاليات معينة، حتى تأتي الوساطات لتنفيسها بإجراءات سطحية لا تساوي قطرة دم شهيد، وساق مصاب مبتورة قدمها في سبيل أن نحيا حياة كريمة كباقي البشر.