السبيل الأردنيّة
يدرك نتنياهو أن تحريض المتطرفين والمستوطنين على التصعيد لن يفضي إلى نتائج إيجابية؛ فبعد سقوط أول صاروخ على تل أبيب أو مطار بن غوريون أو حيفا ستنقلب المعادلة، وستتوجه أصابع الاتهام له ولحكومته بالمسؤولية عن توريط الجيش ودولة الكيان في صراع سيعطل الحياة العامة؛ مسألة يتناساها المستوطنون، غير أنها حاضرة في ذهن نتنياهو الذي يعرف قصر نفس المستوطنين والمتطرفين ومصير سابقيه من رؤساء الوزراء الذين أطاحت بهم غزة.
قبل نتنياهو الهدنة التي فرضتها المقاومة الفلسطينية رغم إعلان الكابينت المصغر عن توجيه تعليمات للجيش الصهيوني بمواصلة عملياته العسكرية وتوسيعها الخميس الماضي، ليبدو الإعلان كرسالة داخلية للاستهلاك المحلي.
التراجع عن الإعلان اعتبر صفعة قوية للكابينت المصغر ولقادة الجيش الاسرائيلي؛ فالمقاومة حددت صيغة الهدنة المؤقتة وتوقيتها، خصوصا أن الهجمات الفلسطينية جاءت ردا على الاستهداف الصهيوني لنقطة مراقبة للمقاومة على الشريط المقابل لأراضي فلسطين المحتلة عام 48.
هدنة تبعها تصعيد وحشود كبيرة في مسيرة العودة مقابل انتقادات لاذعة للمستوطنين المتطلبين والمطالبين بالتصعيد؛ فالمقاومة تمكنت من فرض ايقاعها على المشهد الميداني، مفقدة الطيران الإسرائيلي فاعليته وقدرته على ايقاف الحراك الفلسطيني في القطاع أو استعادة معادلة الردع القديمة.
الهدنة أطلقت سلسلة متفاعلة من الأزمات داخل الكيان، اتهم فيها نتنياهو والكابنيت بالجبن والخضوع للمقاومة الفلسطينية؛ إذ ظهرت العديد من التعليقات على الكابينت أبرزها وصفه بالأرانب.
اليمين الإسرائيلي ممثل بزعيم حزب البيت اليهودي ومن ورائه المستوطنون وجدوا في الهدنة فرصة لمهاجمة نتنياهو، وإبراز فشله في مواجهة المقاومة الفلسطينية؛ غير أنهم تجاهلوا الحقيقة التي يعلمها نتنياهو وجيش الكيان الممثلة في فشل منظومة الدفاع الصاروخي المعروفة بالقبة الحديدية في التصدي لصواريخ المقاومة والقادرة على احداث شلل كبير في الحياة العامة لأسابيع واشهر.
الفشل والعجز لن يقتصرا على التصدي لصواريخ المقاومة التي ستنهمر على تل ابيب وحيفا ويافا والخضيرة ومطار بن غوريون في القدس؛ اذ ستتعاظم الضغوط الدولية والاقليمية على الكيان لمطالبته بإيجاد حل سياسي وهدنة طويلة تستجيب لحاجات الفلسطينيين في قطاع غزة؛ أمر يأمل نتنياهو أن يراوغ فيه ويناور لأطول فترة ممكنة على أمل خضوع المقاومة للشروط الاسرائيلية، أو حدوث تحول في الرأي العام الصهيوني الذي يوصف بالمتطلب.
نتنياهو يدرك أن سقوط الصواريخ على تل أبيب سيحول العملية العسكرية إلى نقمة، متسبباً بإسقاط حكومته، في حين أن الأمل بالوصول إلى حل من خلال المقترحات المصرية يعد أكثر جدوى من مواجهة سترفع سقف المطالب الفلسطينية ولن تحقق نتائج عسكرية؛ فقدرة الكيان على تحمل التصعيد محدودة، ومن الصعب أن تمتد إلى فترة طويلة رغم الحماسة الكبيرة التي يبديها المستوطنون، خصوصا بعد أن اطلقت وسائل الاعلام الصهيوني استفتاء أفاد بأن 80% من مواطني الكيان يريدون ردا حاسما على المقاومة؛ امر ليس بمقدور قادة الكيان العسكريين والسياسيين الالتزام به، او التكهن بتبعاته رغم الحماسة الكبيرة التي يبديها المتطرفون للمواجهة.
هاجس الهدنة والمواجهة يتحول الى عبء كبير يثقل كاهل نتنياهو ويضيق هامش المناورة لديه، تعكسها حالة الشلل السياسي والعسكري، سواء في التعاطي مع مسيرات العودة ام المقترحات المصرية لتهدئة طويلة، كما تعكسها تصريحاته ومحاولاته اليائسة لاسترضاء المتطرفين والمستوطنين المتطلبين دون جدوى.
ختاما: يدرك نتنياهو بأن المحرضين على التصعيد سيكونون اول المطالبين برحيله، وأول المطالبين بعقد هدنة مذلة على وقع القصف الصاروخي والضغوط الدولية لتطيح به وبطموحاته السياسية، طموحات ستتبخر بعد سقوط اول صاروخ على تل ابيب او مطار بن غوريون، معضلة تشكلت على وقع مسيرات العودة وصواريخ المقاومة، وفاقمها الصهاينة المتطلبون.