ناقشت هذه السطور يوم أمس الأهداف الإسرائيلية من شن أي عدوان محتمل على القطاع، ولمزيد من التوازن، تحاول السطور الحالية اليوم الإجابة عن تساؤل مقابل: لماذا لا تنفذ (إسرائيل) تهديداتها ضد القطاع؟ وما الذي يجعلها غير متشجعة من الناحية العسكرية والسياسية لخوض هذا العدوان الواسع، رغم توفر بعض حوافزه؟
بادئ ذي بدء، من الأهمية بمكان تأكيد المؤكد على أننا أمام احتلال غاشم دموي، يسعى بين فترة وأخرى لتذكير الفلسطينيين بقوته الفتاكة، ويستخدمها لإرسال رسائله الردعية لهم، إما لمنعهم من شن هجمات مسلحة ضده، أو لجعلهم مكتفين بحماية أنفسهم، والدفاع عنها، خشية من الاستهدافات.
لكن ذلك لا يشكل لوحده دافعاً رئيساً لشن أي عدوان، مهما توفرت مبرراته المزعومة، على اعتبار أن هناك "دزينة" كوابح تجعل صناع القرار الإسرائيلي في مستوييه: السياسي والعسكري، يعدون للعشرة قبل الضغط على زر إطلاق العدوان القادم.
أولها أن جيش الاحتلال استخلص الدروس والعبر منذ عدوان 2014، ويعلم أن المقاومة استخلصت ذات الدروس، مما قد يجعلهما يعودان لذات النقطة من الوجع والأذى، مع فارق الكثافة النارية والأضرار الكبيرة التي ستلحق بالجبهتين الداخليتين، في غزة و(إسرائيل)، رغم فارق القوة التدميرية التي يحوزها الاحتلال أضعافا مضاعفة.
ثانيها أن لكل عملية عسكرية أهدافا سياسية، فإن (إسرائيل) لا تريد التوصل لتسوية وترتيبات مع حماس، تجعل منها كيانا سياسيا معترفا به وشرعياً بعدما دأبت طوال السنوات الماضية على توصيفها بمنظمة "إرهابية"، لا يجوز التعامل معها، والمقصود هنا إجراء ترتيبات لها علاقة بتحسين الأوضاع المعيشية والإنسانية للقطاع.
ثالثها أن أوساطا نافذة في دوائر صنع القرار ترى أن تنفيذ أي عدوان على غزة قد يفضي لبقاء حماس في المشهد السياسي للقطاع، مما يذكرهم بالمثل العربي "كأنك يا أبو زيد ما غزيت"، باستثناء سقوط مئات الشهداء، وتدمير المباني والمؤسسات، وهذا لن يغير من خارطة الواقع السياسي الذي تسيطر عليه حماس في غزة.
رابع هذه الكوابح يحول دون الذهاب لعدوان على غزة يتمثل بإمكانية تدحرجه ميدانيا، واضطرار الجيش لتنفيذ عملية برية، فضلا عن كونها ستسقط خسائر بشرية واسعة بصفوفه، كما الفلسطينيين، لكن الأمر قد يذهب لخيارات أكثر تطرفا تسفر عن انهيار الوضع السياسي والإداري في القطاع، بما يعني حدوث حالة من الفوضى السياسية والأمنية، وهنا كابوس تهرب منه (إسرائيل)، لأنها تريد عنوانا تتواصل معه، ولو بطريقة غير مباشرة، وهي حماس في هذه الحالة.
أخيراً.. قد نبقى نراوح في هذه المسافة بين العدوان الإسرائيلي وانتظاره على غزة، بانتظار اتضاح الصورة إلى أين، التي ما زالت ضبابية حتى كتابة السطور، ويصعب ترجيح أي من الخيارين.