عندما يعتقل خريج أكاديمية تربوية رائدة ..
أصبح الوطن تهمة ومغامرة ، كل حر شريف جاء من سلالة عائلة كريمة أرضعته حب الوطن يجد نفسه على شفير الهاوية ، هكذا حولوا الوطن إلى هاوية مريعة ومغامرة لا يقدم عليها إلا من عشق وطنه ودينه وكل قيم الحرية والكرامة لشعبه وأمته.
معتصم زلوم كل من عرفه يجد فيه النموذج التربوي الذي يتمناه لشبابنا في هذا الوطن ، تخرج من أكاديمية عريقة رأس هرمها عالم أزهري ، هذا العالم نجح في أن يجعل من الأسرة الصغيرة مثالا حيا لأسرة وطنه الكبيرة ، خرجت هذه : اكاديمية الاسرة رجالا كل واحد منهم شكل مصدرا للخير ولطاقة عالية تشع نورا وضياء ، لم يكن عالمنا الشيخ عبد الرزاق زلوم ينثر الحكمة ويعلم الناس الفضيلة ويوجه المربين في التربية قيمهم بشكل نظري، فنجد بيته مخالفا لما يقوم به من مهمات تربوية واجتماعية كما هو حال كثير من العلماء والمربين ، بل بالعكس تماما بدأ بنفسه وبيته في زراعة لهذه القيم حتى اذا استوت على سوقها بما يعجب الزراع ويغيظ به الكفار انطلق داعيا ومعلما للناس قيم الخير وروح الدين الوسطية التي تنتج الفلاح والنجاح والرقي الاجتماعي والحضاري العظيم .
من ذات السياق تخرج الشيخ المجاهد نضال زلوم والذي نجح في ترجمة قيم أبيه وشيخه ومعلمه أعظم ترجمة ، كانت انتفاضة الحجارة على أشدها وكان الاحتلال يغرق في جرائمه ، في ذات اللحظة التي كسر بها رابين عظام أطفال فلسطين بالحجارة بمشاهد اقشعرت لها قلوب العالم أجمع ، كان الرد الحاسم المنطلق من الاقصى ، صبيحة ليلة القدر ، حيث تألق نضال هناك بمواعظه البليغة ، وعلى خطى المعلم التي تجمع بين العلم والعمل ، انطلق نضال من المنبر الى ساحة الوغى مكبرا ورادا على الارادةالمجرمة التي أصدرت الاوامر بتكسير عظام الاطفال ، وكانت مفصلاحاسما في مسار الانتفاضة دفعت قادة الاجرام الى أن يعيدوا وزن قدرات هذا الشعب وأن يتوقفوا عن حالة الاستخفاف والالغاء لهذا الشعب الرازح تحت نيرانهم وأحقادهم .
معتصم مثله مثل كل من يعتقل على خلفية نشاطه الاجتماعي او السياسي او الطلابي ، لا يشكل الاعتقال بعينه شيئا بمقدار ما يجرح في عمق الالم ، له ولكل أفراد عائلته، وكل حر شريف ينسجم مع روح الوطن ، أسئلة تجرح ثم تضع الملح على الجرح لتزيد من حدة الالم ، لماذا يعتقل الاحرار ؟ لماذا تعتقل النماذج ذات الخلق العالي والانتماء العميق لكل القيم الجميلة في هذا المجتمع الطيب ؟ما الجرم المقترف الذي يرتكبه هؤلاء ؟ ماذا فعل معتصم ؟ هل لأنه أصابته حمى الحماسة لوطنه ودينه ؟ هل لأنه حمل رأيا سياسيا مثلا ؟ أو لأنه يدعو لقيم دينه وينشد حرية وطنه ؟ لم يكن معتصم داعشيا في أي حال من الاحوال .. كل من يعرفه يعرف أنه شاب يلتزم بدينه بوعي ووسطية وفهم قويم ، هكذا هي اكاديمية العائلة الني نعرف والتي نشأ فيها .. اذًا لماذا يعتقل مثل هؤلاء الشباب ؟ هل تدفعونهم بتطرفكم العنيف في التعامل معهم أن تأخذهم ردة الفعل للرد على تطرفكم بتطرف مماثل ؟ الى أين تذهبون بشبابنا الواعد المتفتح المنتمي الصادق ؟؟
لا بد من دق ناقوس الخطر للكل الوطني الصادق ليقفوا ويتحملوا مسئولياتهم أمام هذا الخطر الداهم ، ولا بد من حركة طلابية جامعية تقف موقفها أمام هذه الاعتداءات .. هذه الاعتقالات لا تشكل خطرا لمن تقع عليه فحسب ، كل معرض لها ، إن لم نقف الوقفة المطلوبة ونرفضها بكل ما أوتينا من قوة مجتمعية فاعلة ، اليوم معتصم وغدا ابني وابنك .. حتى في داخل الحركة الحاكمة هناك خطر داهم وقادم لكل من يغرد خارج السرب ، قبل أيام أصدر اللواء توفيق الطيراوي - وهو بالمناسبة رئيس سابق للمخابرات الفلسطينية – بيانا بعنوان كفى كفى لاعتقال ومطاردة عناصر من فتح . وشهدنا في ذات السياق كيف يقصى وزير الاسرى والمحررين لأنه اتخذ موقفا أو أنتج فيلما لم يعجب البعض، ولم تشفع له عشر سنوات من العمل على مدار الاربع وعشرين ساعة للأسرى بكل بسالة وفناء ، ولم تشفع له الحكمة العالية التي كان يتوازن فيها مراعيا كل متطلبات المرحلة الحساسة التي تمر بها هذه الفترة الهابطة.
مسألة اعتقال معتصم ليست اعتقال فرد وإنما هي اعتقال أسرة كريمة وأكاديمية شامخة تخرّج الاحرار الكرماء ،
وهي اعتقال حماسة شباب هذا الوطن ،
وهي فتح جرح غائر، وهي صب للملح في هذا الجرح ،
وهي ضرب للحركة الطلابية الجامعية في عمقها ورسالتها الاكاديمية ،
وهي هتك لنسيج اجتماعي قاوم المحتل بشموخ وكبرياء،
وهي ضرب لقيم متكاملة ومتواصلة كانت وما زالت حامي حمى صمود هذا الشعب أمام أعتى قوى الطغيان لاحتلال مجرم على مدار سبعين سنة ،
لم ولن تستطيع قوى الشر هذه كسر إرادتنا ولا النيل من كرامتنا .