جاء القصف المدفعي الإسرائيلي صباح أمس شمال قطاع غزة، وأسفر عن ارتقاء شهيدين من كتائب القسام، ليشكل مفاجأة من العيار الثقيل لحماس، التي يوشك قادتها القادمون من الخارج على مغادرة القطاع، بعد انتهاء مباحثاتهم حول المصالحة والتهدئة والإعمار.
جاءت المفاجأة من عدة اعتبارات: عسكرية وسياسية، مما جعل الفلسطينيين يقرؤون في العدوان الإسرائيلي سلسلة برقيات دامية، رغم ما روجته إسرائيل عن إطلاق النار على إحدى دورياتها، فيما كانت كتائب القسام تخرج دورة عسكرية، وتجري مناورة لمقاتليها، مما يجعل الرواية الإسرائيلية المزعومة عرجاء كسيحة، ليس لديها أقدام تقف عليها.
من المعروف أن قرارات إطلاق النار الإسرائيلية المختلفة: البنادق الرشاشة وقذائف المدفعية والقصف الصاروخي، تخضع لتسلسل هرمي، يشترك فيها ضباط ميدانيون، وصولا لضباط الاستخبارات الذين يمسحون المكان، وفي بعض الأحيان القيادة العسكرية العليا، خشية أن يكون لأي قصف، تبعات سياسية حرجة، مما ينفي صفة الاجتهاد الآني في بعض الحالات، لكن طالما أن الوضع حساس مع حماس، فبالتأكيد أن تعليمات القيادة العسكرية الإسرائيلية تأخذ ذلك بعين الاعتبار.
لقد شكل حدوث القصف الإسرائيلي في ظل ما قيل عن تواجد بعض قيادات من حماس، رسالة إسرائيلية لهم، عنوانها: أنتم تحت مرمانا، والرادار يتابعكم، صحيح أن هذه معلومة معروفة لقيادات حماس، لكن أن يتم القصف في وجودهم، فهي رسالة معمدة بالنار، ومغمسة بالدم..
أكثر من ذلك، فإن وقوع حادث الاغتيال في ذروة مباحثات التهدئة، ربما شكل رغبة إسرائيلية بأن تكون يدها العليا إذا ما قدر لهذه التهدئة أن تعلن بين يوم وآخر، وقد عودتنا آلة القتل الإسرائيلية أن تكون في سباق مع الزمن للحصول على ما تسميه "صورة الانتصار"، خاصة عند نهاية كل حرب، كي لا يقال إنها لم تكن صاحبة الطلقة الأخيرة..
بغض النظر عن تفاصيل الحادث الدقيقة، لكن إسرائيل تقدر صعوبة أن ترد حماس على الاغتيال مع تواجد قيادتها القادمة من الخارج في غزة، مما قد يجعلها تؤجل الرد. صحيح أن قيادات حماس القادمة من الخارج، كالمقيمة في الداخل، مهم أن يعيشوا مناورة حية تحت النار، ولو من باب محاكاة معاناة الفلسطينيين، لكني أظن أن تأجيل رد حماس يتجاوز هذه المسألة الشكلية، في ظل اعتبارات أهم، على الأقل بنظر حماس ذاتها، وليس عموم الفلسطينيين.
بات واضحا أن هذا الاغتيال يضع تأكيدات جديدة على المؤكد القديم الجديد، وهي أن أي ترتيبات أمنية وسياسية بين المقاومة وإسرائيل، قد تبقى هشة وغير مضمونة لأمد طويل، فهذه طبيعة العلاقة بينهما، وإن تطلب الأمر بين حين وآخر استراحة محارب أو التقاط الأنفاس..