كلما اعتقلوا أو اعتدوا جسديا في مواقع المواجهة أو قتلوا أو كسروا كاميرا يفتح ملف ملاحقة الصحافة الحرة ، ومنعها ما إن تتنفس وتعمل عملها في واقع يرسم الاحتلال خريطته ويرسم مشهده كما يحلو له .
اعتقال علاء الريماوي ومن معه من صحفيي فضائية القدس مثال صارخ على فتح مدافعهم على صوت فلسطين الحر ، وقد سبق اعتقالهم منع الفضائية والتي يديرها الريماوي من ممارسة دورها في الداخل الفلسطيني ، ثم كانت الخطوة التالية هذا الاعتقال ، فالاحتلال يخشى التغطية الموضوعية الحرة ، يريد إعلاما مطبعا مطبلا يدور في كل الأفلاك ما عدا فلك الحرية ، هذا العزف على وتر وطن محتل أو الارتفاع إلى ما يصبو إليه من وقع عليه الظلم وأبى الاستسلام للواقع المر وبقي مكافحا منافحا عن الحقوق التي غيبها الاحتلال في ظلامه الحالك ، هذا النفس العالي والروح الثائرة في وجه هذا القهر لا يريدونهما ، يريدون انبطاحا وروحا مهزومة يعبر عنها صوت محبط لا يقوى أن يواجه ظلما ولا رادعا لجماح محتل غاشم .
لم يكن علاء ومن معه وصحافة فلسطين الحرة ليرضخوا أو يبيعوا ضمائرهم وأقلامهم ، هم يعلمون عاقبة الصوت الحر ، يدركون أن الاعتقال وسوط الجلاد بانتظارهم ، ولكنها خسارة الذات وفقدان الروح وهزيمة القضية إن تراجعوا قيد أنملة ، صوتهم مقاومة والصورة التي يصنعونها هي النقيض التام للصورة التي يصنعها الاحتلال وكل من تساوق معه ، لذلك فقد تقدموا الصفوف وحفروا لأنفسهم مواقع متقدمة ، ثبتوا فيها الأقدام وجعلوا سقفهم عاليا لا حدود له إلا حدود الوطن ، فإما أن تكون الصحافة حرة تستعصي على كل قوى الشر والطغيان وإما لا تكون . اختاروا الحرية وانحازوا إلى قضية شعبهم وقضايا أمتهم لأنهم الإعلام الحر المنشود من قبل كل أحرار شعبهم وأمتهم .
لم يكن علاء في برنامجه المفضل "نسيم الأحرار" إلا نبضا صادقا لنبض أسرانافي السجون الإسرائيلية ، كان برنامجا منفتحا متنوعا يفتح مساحة إعلامية واسعة ويصنع صورة موضوعية قوية ، يكد ويكدح ويخرج كل قدراته محاولا الارتقاء بالمستوى الذي يليق بحجم هذه القضية الإنسانية العظيمة .
وكنت تراه وطاقمه حيث كانت حركة الشارع وحيث كان نبض الأحرار ، يعمل بحماسة وبعيدا عن أية صبغة تخرجه عن الموضوعية الإعلامية الحرة ، يحاور من كل الأطياف ويخرج على الشاشة الصورة الصادقة المعبرة عن نبض الشارع .
وكان للمشهد السياسي الإسرائيلي بالمرصاد يعمل بندية عالية وبكفاءة لا تخفض جناحها لقوة أو بريق إعلامي يصنعه إعلام الأعداء ، يكشف سوأَتَهم ويفضح ألاعيبهم وينور المشاهد العربي بما يدور هناك ، عرف لغتهم ودخائل أحزابهم ومكر ساستهم وعرف من أين تؤكل الكتف ، وضعهم على المشرحة الإعلامية الواعية المدركة لكل أبعادها ، واستعان بذلك بكفاءات مهمة سبرت عمق أغوارهم وجاءت بغثهم وسمينهم وقدمت للشاشة العربية وجبات إعلامية دسمة أثرتها وزادتها درسا وتحليلا .
لم يكن هذا الاعتقال إلا كيدا كبيرا لتضرب به هذه المهنية الإعلامية العالية ، أحرارنا لا يقيلون ولا يستقيلون وعلى درب الحرية لشعبهم سائرون ، مهما كلف ذلك من ألم وتضحيات أو تغييب واعتقالات ، هم للحرية عائدون وبإضرابهم وحرب أمعائهم بإذن الله منتصرون.