لست أدري لماذا تفاقمت أزمة الكهرباء في غزة في هذه الأيام الباردة جدًا؟! ولست أملك جوابًا شافيًا يريح هؤلاء الذين يتظاهرون لرفض أزمة الكهرباء؟! كل ما أعرفه كمواطن أن هناك أزمة مستفحلة منذ سنين، وأن ساعات الوصل تقلصت مؤخرًا من (٨ أو ٦) ساعات إلى (٤) ساعات أو أقل أحيانًا، وأن المواطنين غير قادرين على التحمل، وأن الشركة لا تملك حتى اللحظة حلًا جزئيًا يستجيب لمشكلة المواطنين، لذا هم يتظاهرون.
الناس تخرج للتظاهر مرغمة، ولكنها لا تدري بشكل جيد إلى من تتوجه بمظاهراتها، ومن هو الذي يتحمل المسئولية في اشتداد الأزمة؟!
أزمة الكهرباء خانقة، ونسمع عن حلول لها، ولكن لا نرى شيئًا منها قابلًا للتطبيق، ورشات العمل التي تناولت البحث عن الحلول كثيرة ولكنها كانت نظرية على الورق أكثر منها عملية قابلة للتنفيذ، فمثلًا سمعنا كثيرًا عن خط (١٦١) القادم من (إسرائيل) والذي يمكن أن يوفر (١٠٠) ميجا وات إضافية لغزة، ولكن لا تنفيذ لهذا الحل، وهنا نسمع أن السلطة هي التي تعرقل هذا الحل؟!
وسمعنا عن الحلول التركية، سواء السفينة العائمة، أو خط الغاز الذي يمكن أن يمدّ شركة كهرباء غزة بالوقود، ولكن لا شيء من هذا دخل إلى حيز التنفيذ، ولا ندري أيضًا موعدًا قادمًا لتقديم هذه الحلول.
وغزة لديها مشكلتان رئيستان في هذه الأزمة: الأولى أنها تتسع وتتمدد، وتحتاج إلى قرابة (٥٠٠) ميجا وات، بينما المتوفر منهم لا يتجاوز (٢١٢) ميجا وات، (٢١٠) قادمة من (إسرائيل)، و(٣٢) من مصر، و(٦٠) من شركة غزة. ولا يتوفر حتى الآن مصدر معتمد لتعويض النقص، والسلطة في رام الله هي العنوان في معالجة هذه الأرقام؟! وهي لا تقوم بواجباتها بغض النظر عن الأسباب.
والثانية أن البطالة تتزايد في غزة، وربما تصل إلى (٦٠٪) وأن الموظفين العاملين في غزة لا يتلقون سوى (٤٥٪) من رواتبهم الشهرية، وهذا لا يسمح بالحسم المباشر لفاتورة الكهرباء، والشركة تبذل كل ما تستطيع لتعميق الجباية، ولكن أوضاع غزة المؤلمة أكبر من الشركة، ومن الفصائل أيضًا.
كان الاتحاد الأوروبي قبل أن يتسلم فياض رئاسة الحكومة في رام الله يقدم مساعدات مالية مباشرة لوقود محطة غزة، وكان هذا جيدًا، وفيه جزء كبير من الحلّ، حتى إذا تسلم فياض الحكومة امتنع الاتحاد الأوروبي عن تغطية فاتورة الكهرباء بغزة، لأنه صار يدفعها مباشرة لميزانية فياض وحكومته بناء على طلب الأخير، ومنذ ذلك التاريخ بدأت أزمة الكهرباء تتفاقم شيئًا فشيئًا.
إن مشكلة الكهرباء في غزة غدت مشكلة مالية ترتبط بالمناكفات السياسية، ولا حلّ لها إلا بتحمل حكومة رام الله مسؤولياتها في توفير الوقود اللازم للمحطة، والموافقة على خط (١٦١) الذي استعدت قطر لتمويل كلفة تشغيله.
من دون هذا فليس في غزة جهة تستطيع أن تقدم لا أقول حلًا كاملًا، بل لا تستطيع أن تقدم جزءًا من الحلّ، والقضية تعرفها الفصائل جيدًا، وهي لا تحتاج للمزايدات. والسؤال الذي يجب طرحه لماذا توجد كهرباء في رام الله ونابلس على مدى أربع وعشرين ساعة، ولا توجد كهرباء في غزة على مدى ثماني ساعات فقط ؟! والوطن واحد، والحكومة التي تتلقى المال والمقاصة هي حكومة رام الله، وغزة تستطيع فقط أن تساعد في تعميق الجباية من الجهات القادرة على الدفع.