تتباين التقديرات بشأن رفع الفيتو الأمريكي والإسرائيلي عن مباحثات المصالحة الفلسطينية في القاهرة، بين قائل إنها تأتي لتخفيف التوتر الأمني في غزة، وإبعاد شبح الحرب التي لا تريدها إسرائيل، على الأقل حالياً، وزاعم أنها من أجل توحيد الأراضي الفلسطينية عبر قيادة واحدة يمثلها الرئيس عباس، من أجل تمرير صفقة القرن.
بغض النظر عن مدى صحة هذه الفرضية، ووجاهة تلك الأسباب، لكن يمكن القول بكثير من الثقة أن طي صفحة الانقسام بقدر ما هو مصلحة فلسطينية: تكتيكية واستراتيجية، آنية وبعيدة، فإن إبقاءه هو مصلحة إسرائيلية، بذات المواصفات والمعايير، مما يطرح كثيرًا من الأسئلة حول أسباب تنازل إسرائيل عن هذا الإنجاز الذي حققه الفلسطينيون بأيديهم، وأراحوها من أعباء تحمل احتلالها لهم: برا وبحرا وجوا.
ربما أن هناك بعض المنطقية في الحديث أن إسرائيل تريد عنوانا "شرعيا" تعترف به في غزة من أجل تنفيذ بعض المشاريع الإنسانية، لتخفيف حدة المعاناة المعيشية القائمة هنا، على أن يكون هذا العنوان ذا طابع إداري تنفيذي، دون أن يشكل وحدة جغرافية وسياسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل الفوائد الجمة التي حققتها إسرائيل من هذا الانقسام.
يتزامن هذا الحديث مع زيادة التقديرات بشأن المستقبل المرسوم للضفة والقطاع من وجهة النظر الإسرائيلية، صحيح أن الفلسطينيين لن يرحبوا بهذه السيناريوهات، لكنهم سيكونون جزءا منها، وخلال مراحل التنفيذ بإمكانهم أن يصرخوا ويعلنوا رفضهم لها، وتأكيدهم على وحدة الضفة والقطاع.
مباحثات المصالحة الجارية في القاهرة، آمل ألا تكون كسابقاتها من اتفاقات وإعلانات، من شراء الوقت وتوزيع الأماني وإرضاء الوسطاء، لكنها وإن تكررت ذات النسخ البائسة من الماضي فنحن أمام استمرار وتأبيد لهذا الانقسام، ولا بأس إن انتقل الفلسطينيون من حلم إنهاء الانقسام إلى إدارته.
يصعب على إسرائيل التي استفادت طوال اثني عشر عاما من انقسام الفلسطينيين أن تهيئ الظروف لطي صفحته، أو إفساح المجال أمام الفلسطينيين لإعلان وفاته، على اعتبار أن الإستراتيجية الإسرائيلية القائمة في المنطقة هي تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ، فكيف والحال بأعدائها الأساسيين وهم الفلسطينيون.
صحيح أن هذه السطور تهتم بوضع تقدير الموقف الإسرائيلي، لكنها كلمات قليلات معدودات حول مسئولية الفلسطينيين، كل الفلسطينيين عن بقاء الانقسام، وأقصد بذلك القيادات السياسية، رغم أنه يمكن توزيع النسب حول إفشال جهود المصالحة، لكن التاريخ في قادم السنوات والعقود لن يستثني أحدا من المسئولية عن هذه الحقبة السوداء من تاريخ قضيتنا المظلومة، من أهلها وأعدائها!