يمكن تلخيص كل الحراك الدائر بشأن غزة على أنه نصر للمقاومة، فلو قدر الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة العسكرية لحسمها دون تردد أو وساطات، ودون تدخلات من هنا وهناك، ولكن الصمود الأسطوري للمقاومة، والقدرات الإبداعية لشعبنا الفلسطينية في قطاع غزة على الصمود والصبر، وتدبير الأمور بالكفاف، مع مواصلة دعم المقاومة لا الخروج عليها، كل ذلك أرسل إشارات فشل للحصار وللتهديد وللعقوبات، وأكد أن على تحالف أعداء المقاومة اتباع نهج آخر بعيد عن كل الأساليب الابتزاز المتبعة على مدار سنوات طويلة من الحصار.
ودون الخوض في تفاصيل اللقاءات في القاهرة، ودون التدقيق في تفاصيل زيارات ملادينوف إلى قطاع غزة، والتي وصلت إلى درجة عالية من الاهتمام والمتابعة؛ بحيث زار ملادينوف غزة مرتين في يوم واحد، وكل هذه مؤشرات على وجود متغيرات ميدانية فرضت نفسها ندًّا على أعتى جيوش المنطقة، وتؤكد أن ما يطبخ وراء الكواليس لن يفرض على غزة فرضًا، وإنما سيمر بهدوء من بين أيدي المقاومة، ولن يمر من فوق ظهرها، وأن كل الاتصالات والمشاورات والتدخلات الإقليمية والعربية والدولية معنية بعدم الوصول إلى مواجهة شاملة.
مواجهة شاملة جملة غير مفيدة، ولكنها تعطي دلالات القدرة الفلسطينية على الندية، والمواجهة، والتصدي، وإحباط مخططات العدو الإسرائيلي، وهذه المواجهة الشاملة هي مربط الفرس في كل التحركات التي تجري في القاهرة وغزة، والتي تتخلص في جملة واحدة مفيدة تقول: لا يمكن دخول غزة من خلال السقف المرتفع للتهديد، ولا يمكن دخولها من بوابة القصف، ولا يمكن دخول غزة من بوابة الحصار ولا من شبابيك العقوبات، غزة حجر الرحى في السياسة الفلسطينية، ولا يمكن الدخول إليها إلا من بوابة الاعتراف بواقع غزة العنيد، ومن ثم تقديم المساعدات الإنسانية بدلًا من العقوبات الإجرامية، وهذا هو ملخص اللقاءات الدائرة الآن.
لقاء المصالحة في القاهرة، ولقاءات التهدئة في غزة يتمم أحدهما الآخر، وفي كلاهما مصلحة سياسية عليا لأكثر من طرف في المنطقة، وهذا يدلل على أن المرحلة القادمة تقوم على تهدئة عش الدبابير بدلًا من تحريك هذا الكم الهائل من الإرادة الفلسطينية القادرة على فرض معادلة جديدة، وأزعم أن هذه هي الورقة القوية التي تمسك بها حركات المقاومة، وتتمسك بها وهي تفاوض من موقع القوة، طالما أسندت ظهرها إلى صخرة الشعب العنيد الذي لا ينكسر.