بينما قائد الأوركسترا اليهودي العالمي دانيال بيرنبويم، يهجو "قانون القومية" الليكودي العنصري، ويتشبع عزفه الفردي، على البيانو، بالحزن العميق بسبب ممارسات (إسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني؛ يزهو متصدر الأوركسترا العباسية المتخلف، عزام الأحمد، بعزفه اليومي على نغمة "العقوبات" المفروضة على غزة، وتحزنه محاولات إغاثتها. الأول يكتب في "هآرتس": "أشعر بالعار لأنني أحمل الجنسية الإسرائيلية" وعزام يقول، كمن يتحدث عن اعتداء: نشجب كل محاولة لتقديم مساعدات الى غزة من وراء ظهر السلطة!
معنى ذلك أن مجرد الصمت عن الإغاثة التي تتجاوز السلطة صانعة البؤس ومجافية المجتمع، تلامس الهزيمة والعار عند عزام. فالشرف النبيل، بالنسبة له، أن يُدار الظهر لغزة وأن تستمتع السلطة بخنقها الناس، دونما إزعاج،لكي يهدأ الرأس العباسي، ويظل عزام بخير، يحصد المال ويجتذب الكاميرات!
اليهودي سيغموند فرويد، مؤسس علم النفس، الذي رفض مشروع تأسيس (إسرائيل) في بلادنا؛ كتب في العام 1937 "الأصوب في نظري، تأسيس وطن يهودي في أرض متخففة من ثقل التاريخ" ونفاجأ بالفيدرالية العالمية للصحة النفسية، تقرر من وراء ظهر عزام الأحمد وسيده وخادم سيده رامي الحمد الله، المنشغلين بمعركة تجويع غزة؛ أن تحتضن (إسرائيل) في أكتوبر المقبل "المؤتمر العالمي للصحة النفسية" دونما تذكير عباسي لها، بأن (إسرائيل) تضرب في كل يوم السويّة النفسية للأطفال الفلسطينيين وللأسر الفلسطينية الثكلى، باعتبار أن مجرد الكآبة، تُعتبر أحد أعراض الإصابة النفسية. بل تذكير الفيدرالية،بأن القوى الغالبة في دولة الإرهاب والعدوان، مصابة بمرض السادية، وأن قادة هذه الدولة، قبل ضحاياهم، في حاجة الى الاستشفاء، وليس الى استضافة مؤتمرات عالمية لإشفاء الآخرين!
دانيال بيرنبويم، يُذكر المسعورين المرضى من وارثي الحركة الصهيونية، بذلك النص الذي يسمى "إعلان استقلال دولة (إسرائيل)" وفيه التأكيد على أن الدولة الناشئة ستكون ضامنة في داخلها "للحقوق الاجتماعية والسياسية، الكاملة والمتساوية، لكل مواطنيها، بغض النظر عن اختلافات الإيمان الديني، أو العرق أو الجنس". ذلك بينما عزام المتصدر للأوركسترا العباسية، يُذكر المانحين، أن المساعدات الإنسانية لغزة، ستكون عملاً شائناً، ومعنى ذلك ضمناً، أن الإغاثة في ثقافته وتقديراته، أن الناس في غزة، يشكلون المكون الديموغرافي المميز سلباً وبضراوة، وأن غزة جغرافياً محكومة بمنطق تمييزي عام يشمل جميع سكانها، وأن الإغاثة تتجاوز في خطورتها، ألف مرة، خطورة القتل الإسرائيلي الممنهج في الضفة وغزة، والاعتقالات والتمدد الإستيطاني في والقنص والقصف، بل وتضاهي إغاثة البوذيين الذين يحرقون المسلمين في ميانمار.
لسنا هنا بصدد مواجهة منطق سياسي نختلف معه، وإنما نتأمل أعراض جنون ومرض نفسي مستفحل، أو هبلٍ لا مثيل له في تاريخ الأمم، يتخفف بحكم حالته المرضية، من كل التاريخ الفلسطيني، وتتبدى انفعالاته أعلى من قدرة المهدئات على التسكين، لا بالأقراص ولا بالكلام الوطني، ولا بموسيقى بيرينبويم أو حكمة فرويد!
كان الدروز في فلسطين المحتلة، قد أصابهم جُرح عميق من "قانون القومية" الليكودي العنصري الذي تغاضى عن وقوف مشيخاتهم مع (إسرائيل)، ودفعها الشباب الدروز الى تقبل التجنيد في الجيش والمشاركة في الحروب مع (إسرائيل) ضد إخوتهم العرب. فما يسمى القانون، يجعلهم في مرتبة متدنية شأنهم شأن العرب الفلسطينيين من كافة الطوائف، لدرجة أن متطرفين من شاكلة "نفتالي بينيت" تنبهوا الى تعدي القانون على حقوق وكرامة من يسمونهم "الإخوة في الدم". في الوقت نفسه، بدا لافتاً أن المتصدر العباسي للأوركسترا، بحكم إصابته النفسية، لا يعرف معنى الأخوة في الدم ولا الأخوة في الماء. هو يقدم لنا عروضاً يومية، لإغاظتنا أو إضحاكنا، وكأن تسليتنا الوحيدة هي الاستمتاع برؤية سحنته، والاستماع الى هذيان المريض النفسي الواهم، الذي يتقمص دور الزعيم المحبوب!