في الوقت الذي تتسارع فيه الخطى الأمريكية والجهود الدولية لإيجاد تسوية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، سواء مع السلطة الفلسطينية عبر برنامج المفاوضات الذي قد يفضي إلى دولة فلسطينية، ولو مقطعة الأوصال في الضفة الغربية، أو مع حماس في غزة من خلال العثور على صيغة أمنية اقتصادية تخفف من حدة التوتر المتزايد هناك بما يضمن رفع الحصار عن القطاع.
وفيما جرت العادة أن أي صيغة للحل بين عدوين وخصمين تتطلب منهما تقديم تنازلات تسمى دائما "مؤلمة"، فلأنها الطريق الأقصر عليهما، التي قد توفر المزيد من الدماء والعرق والدموع، وهو ما يبدو أنه لا ينسجم مع الطريقة الإسرائيلية في التفاوض وإيجاد التسويات.
اليوم تعيش المنطقة على وقع زيارات مكوكية وجولات تفاوض متسارعة بين غزة ورام الله وتل أبيب والقاهرة. ومبعوثون عرب وأجانب، يقدمون مسودات أولية، وعروضا مبدئية، سواء من أجل إنجاز المصالحة الفلسطينية، أو رفع الحصار عن غزة، أو العودة للمفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
كل هذا الحراك والضغوط لا يبدو أنها حركت من الموقف الإسرائيلي كثيرا، باستثناء بعض التصريحات الإعلامية التي تحاول أن تكسب موقفا دعائيا دون تقديم أثمان على الأرض، وهو ما قد يهدد كل هذه الجهود بالفشل الذريع، مما قد يحمل في طياته محاذير خطيرة قد تذهب بالأمور إلى زوايا سوداء لا يرغب بها أحد.
كثيرة هي الأسباب التي تجعل (إسرائيل) تبدو متعنتة في مواقفها تجاه الفلسطينيين، في غزة ورام الله، مع السلطة وحماس، لعل أهمها أنها ترى نفسها في موضع اليد العليا، ولا ترى أنها ملزمة بتقديم تنازلات لهما، سواء لأنها تحقق ما تريد دون الحاجة إليهما من جهة، ومن جهة أخرى، أنها "تقدس" الأمر الواقع القائم في الأراضي الفلسطينية، وهو ما قد يعفيها من دفع أي أثمان سياسية أو تنازلات تعتبرها "مؤلمة".
ورغم ذلك، فربما تحصل تطورات سياسية محلية وإقليمية ودولية تلقي بتأثيراتها على الملف الفلسطيني الإسرائيلي، تدفع (إسرائيل) لتقديم بعض الإشارات المتواضعة، التي قد ترى فيها تنازلات مؤقتة من أجل الحصول على مكتسبات بعيدة، تتكتك آنياً لتكسب استراتيجياً.
رغم الانسداد السياسي والأمني الذي قد تتسبب به هذه الطريقة التفاوضية الإسرائيلية، تأخذ دون أن تعطي، لكنها ترى فيه أسلوباً ناجحاً في وقت تحظى فيه بدعم إدارة أمريكية تقف على يمين اليمين الإسرائيلي، ولا تمارس عليها ضغوطا بما فيه الكفاية للتجاوب مع الحراك السياسي الحاصل في المنطقة.