يرى نتنياهو ومن يقود كيان الاحتلال أن الأمور قد استوت لمصلحتهم، وأن الظروف المحلية والإقليمية والدولية قد جرت رياحها بما تشتهيه سفنهم، قرؤوا المشهد السياسي قراءة متطرفة، وغرتهم قوتهم التي اجتمعت مع ضعف العرب وتمزقهم واقتتالهم وخراب ربيعهم، ولم يعودوا يحسبون حسابًا لأحد سوى أهدافهم الطويلة الأجل التي ما عليهم في هذا الربيع الوردي إلا أن يقصروا أجلها، فالفرصة سانحة، فلم لا يهتبلوها خير اهتبال؟
كانت فرصة لابراز أنيابهم لنهش كل ما خططوا له من من سنين طويلة، وقد جاءهم رجل من أقصى العالم يسعى ويتماهى مع ما يريدون، جاءهم الرئيس الأمريكي ترامب تمامًا على مقاسهم، فكان لهم قرار نقل السفارة، وتخطى بذلك العالم العربي والإسلامي، إذ لم يرهم سوى حثالة تقف على أعتاب من وهب نفسه لهم، وكانت ردة فعل هذا المحيط العربي لا تتجاوز الشجب والاستنكار اللفظيين اللذين أدمنهما الفاشلون، حتى إن بعضًا لم يجرؤ على مثل هذه البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ويستمر التغول الاستيطاني، وتهويد القدس، وفرض الوقائع على الأرض، وفرض الإجراءات التي من شأنها أن تقود إلى السيطرة الأحادية الكاملة، والاقتحامات للمسجد الأقصى بوتيرة تصاعدية إلى حيث يريدون، وإذلال الضفة وإعدادها لقمة سائغة إلى حين حسم أمرها، وحصار غزة، وضرب مقاومتها، وقهر شعبها، إلى حين حرب ضروس قادمة يطمحون من ورائها إلى كسر شوكتها.
وتسن القوانين العنصرية التي من شأنها جعل فلسطين خالصة مخلصة من كل شائبة فلسطينية أو عربية، يضربون عرض الحائط بكل نعت لهم بالعنصرية، ولا يأبهون إلا بما تمليه عقولهم الصهيونية المتطرفة، هنا دولة احتلالية تفعل ما تريد، تخطط وتنفذ أسرع مما تتوقعه خطتهم الزمنية؛ فالمجال مفتوح، والمعادلة الدولية التي على رأسها أمريكا تقف معهم بالباع والذراع، ولا يأبهون بالأصوات التي لا يعدونها سوى تهويش ومشاغبة، لا ترتفع إلى دائرة الفعل وخفض وتيرة التنفيذ، "هكذا يفكرون"، فلم يعد هناك من يعيق حركتهم أو يخفف من غلوائهم محليًّا ولا دوليًّا، فقط هناك سباق ومزاودة مفتوحة نحو الأشد تطرفًا في معسكرهم اليميني المجنون.
إذًا هو ربيعهم بامتياز، وفيه آن أوان الوصول إلى ذروة مجدهم وقمة علوّهم.
لكن هناك ما يغيب عن بالهم، وثمة ما يقلب حساباتهم، وسرعان ما يجعل الربيع خريفًا أو شتاء عاصفًا، وهم شهود على ما حصل حولهم، المراهنة على أمريكا وكأنها قدر المنطقة فيه من المخاطرة ما فيه، وإن الإمعان في ظلم وقهر الشعب الفلسطيني وإيقاد نار الحروب في المنطقة له عواقب وخيمة، إذ إن أمريكا ليست اللاعب الوحيد، وقد أثبت ما جرى في سوريا وما آلت إليه الأمور أن أمريكا لم تكن اللاعب الوحيد، ولم تحصل على ما أرادت هناك، لا هي ولا الكيان العبري، ولم يحسب الكيان أيضًا أن هناك نارًا تحت الرماد، وأن غرور القوة هذا الذي يتمتع به بامتياز لم يستطع أن يطفىء نيرانًا ملتهبة في الشمال والجنوب، وعلى الأغلب لن يكون قادرًا على هذا مستقبلًا، وفي الداخل لم تنطفئ جذوة الصراع على ما يحلو له أبدًا، أهل القدس كانت لهم صولات وجولات وضعت لغرور قوتهم حدًّا مثل ما جرى في معركة بوابات الأقصى، والضفة لم يخبُ أوارها رغم ما أصابها، وهي دائمًا تحمل في رحمها مفاجآت وانتفاضات.
قطعًا لا يستوي ربيع الكيان العبري مع الظلم والاستبداد، وسرقة مقدرات الشعوب، وممارسة الاحتلال وكل أشكال القهر والعدوان.