فلسطين أون لاين

​طالبة تركية تدرس في غزة

لمعت شرارة "الجنون" فحزمت "رقية" أمتعتها وحلّقت نحو الحلم

...
غزة - مريم الشوبكي

قرارها بترك تركيا، التي هي حلم كثير من الفلسطينيين، والسفر إلى قطاع غزة كان "الجنون" بعينه في نظر من حولها، أما هي فكانت ترى أن دخولها هذه المدينة نعمة كبيرة منّ الله بها عليها، وبينما كان الجميع يضغط عليها علّهم يثنونها عن قرارها، كانت تكتفي بالرد: "لا تخافوا، سأكون آمنة".

حزمت أمتعتها والسعادة تغمرها لأنها، وأخيرًا، ستحقق حلمها بدخول فلسطين، ودّعها أهلها وصديقاتها بالدموع والأحضان، كأنهم يودعونها الوداع الأخير، لأنهم يعتقدون، وفقا للصورة الراسخة في أذهانهم، أنها ذاهبة بقدميها إلى مدينة الحرب والدمار.

إلى غزة؟!

"رقية دمير" (26 عاما) طالبة تركية تنحدر من مدينة ديار بكر، أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا، قصدت غزة لتكمل فيها دراسة الماجستير في الصحة النفسية بالجامعة الإسلامية، بعد أن حصلت على البكالوريوس في ذات التخصص من ماليزيا.

"تركيا حلم لكل شاب وشابة غزية، كيف تتركينها لتأتي إلى غزة المحاصرة؟".. هذا السؤال الذي يراود جميع من علم بوجود "رقية" للدراسة في غزة، أجابت مبتسمة: "إذا سافر كل الشباب من غزة بسبب الحصار والبطالة، من سيبقى ليحارب فيها!، فلسطين بلدي مثل تركيا، أتيتُ إليها لأني أريد أن أقدّم شيئًا لخدمتها، فالحياة فيها ليست مرتبطة بالجانب المادي فقط".

وقالت لـ"فلسطين": "حينما كنت أشاهد عبر الأخبار ما يحدث في فلسطين، كان الحزن يسيطر عليّ، وأفكّر في أنني أريد أن أخدم القضية، ولكني كنت طفلة وليس بوسعي فعل شيء، وظل الحلم يراودني حتى سافرت لدراسة البكالوريوس في ماليزيا، وحينما عدت قلت لوالديّ إن وقت ذهابي إلى غزة قد حان".

وتابعت: "درست ستة مستويات في اللغة العربية الفصحى، وحينما بدأت أتكلم اللغة العربية قلت لنفسي يمكنني الآن أن أعيش مع إخواني في غزة، تساءل الناس هل أنني مجنونة لأعيش في القطاع! ولكن بالنسبة لي فإني وجودي هنا هو عين العقل".

عدد كبير من الوسائل الإعلامية الفلسطينية أجرت حوارات مع رقية، وهذا الأمر مرهق بالنسبة للشابة الخجولة، والتي عبرت عن ذلك بابتسامة لأنها لم تجرِ أي مقابلة صحفية من قبل، ولم تضع صورتها حتى على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.

لتفتح الباب

هدف "رقية"، كما تؤكد، هو أن تفتح الباب لكل الطلاب والطالبات الأجانب للدراسة في فلسطين، كما في أي بلد آخر فيه تعليم قوي، وعلى وجه الخصوص غزة التي فيها حياة وليست مجرد منطقة حروب كما يتخيل البعض، وفقا لما قالت.

يسألها كثير من الناس: "لماذا لم تتوجهي إلى أوروبا أو أمريكيا؟ فالخيارات أمامك عديدة!"، وردّها على ذلك: "في تركيا لدي كل شيء، ولكن أحيانا لا يكون عندي رغبة في الدراسة، بينما في غزة تتملكني رغبة شديدة بالدراسة، وليس لدي وقت فراغ، فهنا أشغل وقتي في أشياء كثيرة".

وقالت: "يشكو الناس من الحصار كثيرا، ويقولون إن حياتهم متوقفة بسببه، ولكن الحقيقة أننا نملك فرصة مميزة بوجودنا في فلسطين، وهي أننا في أرض الرباط والله يحبنا، فالأرض أمانة في أعناقنا، ورغم ذلك يظن البعض أن غزة ليست جميلة بسبب المشاكل البسيطة الموجودة فيها".

وأضافت: "قبل عشر سنوات كانت تركيا مثل غزة الآن، كانت تعاني من نسب بطالة مرتفعة، ولكن بعد تولي الرئيس رجب طيب أردوغان للحكم، تغيرت الأوضاع تماما بشكل إيجابي، ويمكن أن يحدث مثل هذا في غزة"، معبرة عن اعتقادها بأن: "ما تحتاجه فلسطين لتصبح مثل تركيا، هو نظام جديد يقوم على العدالة التي عمل أردوغان على إرساء دعائمها حينما وصل لمراكز السلطة".

خلال حديث "رقية"، لم تكثر من ذكر اسم "غزة" بل كانت تؤكد أنها في "فلسطين"، فهي لا تحب أن تجزئها كما فعل بها الاحتلال، فغزة هي فلسطين وفلسطين هي غزة بالنسبة لها.

الحياة بسيطة

إيجابيات العيش في غزة تحدثت عنها رقية: "اللغة العامية التي يتحدث بها الفلسطينيون قريبة إلى الفصحى، لذا أجد سهولة في التواصل معهم، كما أن العلاقات الاجتماعية بين الناس في فلسطين قوية جدا، والحياة فيها بسيطة جدا، ونحن نحتاج إلى هذه البساطة".

أما عن السلبيات، فقالت: "أن تكون الشابة عازبة فهذه مشكلة كبيرة في غزة ويجب أن تتزوج، بينما في تركيا لدينا حرية كبيرة في اتخاذ قرار الزواج، وكذلك لم يعجبني الإكثار من الثناء والشكر الكثير بحضور الشخص الذي يتم مدحه، فهذا قد يصيبه بالغرور، والبعض يعاملني وكأني فعلت شيئا خارقا، لكن النجاح كله من الله وليس فضلا مني".

"رقية" تؤكد أنها سعيدة في غزة، وهي أكثر شعورا بالأمن والسلام فيها، ولكن كيف كان شعورها حينما سمعت قصف الاحتلال لأول مرة، قالت: "لا أنكر أنني شعرت بالرهبة والخوف، ولكن حينما شاهدت جسارة طفل لم يبكِ حينما سمع القصف، قلت لنفسي إذا لماذا أبكي أنا!، ولم أعد أخاف".

وتبلغ "رقية" أهل غزة سلامًا من أهلها وأصدقائها، الذين أوصوها: "نحن نحبهم، بلغي سلامنا إليهم"، مشيرة إلى أن بعضهم أبلغها استعداده لزيارة غزة والدراسة فيها كما فعلت.