لعلها من المرات القلائل التي يتوجه فيها ساسة إسرائيليون من العيار الثقيل بحجم وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، ويطالب الفلسطينيين في قطاع غزة باستبدال قادتهم، كي يهنؤوا بواقع اقتصادي يحول القطاع المحاصر ليصبح سنغافورة الشرق الأوسط، وفق زعمه، ناصحا إياهم باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي.
سبق للولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي أن استخدموا هذه الطريقة قبيل إزاحة الرئيس الراحل ياسر عرفات، حين تحدث عن ذلك بملء الفم جورج بوش الابن وأريئيل شارون.
اليوم بعد أن جربت (إسرائيل) مع قطاع غزة مختلف أشكال الحروب والقتل والحصار والدمار منذ 2006، يبدو أنها وصلت أخيرا إلى الاعتراف المؤلم بفشل كل هذه الإجراءات، وتحدث عدد من كبار مسئوليها عن عدم قدرتهم على الإطاحة بحماس من جهة، أو عدم رغبتهم بذلك من جهة أخرى، ليس لصالح سواد عيون حماس، وإنما خشية من سيناريوهات أمنية لا ترغب برؤيتها تل أبيب.
أن يعلن وزير الحرب ليبرمان علانية، وعبر خطاب موجه مباشرة لسكان القطاع، مطالبا إياهم بالإطاحة بحماس، إنما هو يعلن إخفاقه في سياساته العدوانية ومن سبقه من جهة، ومن جهة أخرى فهو يقدم وصفة دامية لحرب أهلية داخل القطاع من جهة ثانية، وهي دعوة قد تجد من يستجيب لها من أصحاب الثارات القديمة مع حماس، وأولئك الذين يفرضون عليها الحصار في المقاطعة، لكن الغالبية الأعم من رواد شبكات التواصل من النشطاء والشبان الفلسطينيين يربؤون بأنفسهم أن يكونوا ترساً في عجلة ليبرمان وحكومته.
من الأهمية بمكان أن ندرك أن دعوة ليبرمان ليست منبتة في الهواء، بل سيكون لها جهاز ومنظومة تعمل لتحقيقها، سواء عبر مكتب المنسق، أو جهاز الأمن العام الشاباك، وغيرهما، ممن سيعملان على تكبير كل صغيرة في غزة، ويسلطون الضوء على كل ممارسة سلبية تحصل داخل القطاع.
الأمر لم يعد مجرد تصريح يصدره وزير إسرائيلي على هامش الحكومة، بل نهج يبدو أنه اعتمد داخل المجلس الوزاري المصغر، في محاولة لهدم المعبد من داخله، دون أن يكلف إسرائيل خسائر بشرية أو عسكرية، مما يستدعي من الجهة المستهدفة من هذا المخطط، وأقصد حماس تحديدا، أن تكون أكثر حذرا ويقظة.
حذر حماس من هذا المخطط ليس فقط من الناحية الأمنية تجاه من قد يستجيب له، ومتابعته، بل الحرص على عدم تسليم خصومها وأعدائها الذخيرة اللازمة التي يطلقونها عليها، ببعض المسلكيات الخاطئة في غزة، والاقتراب أكثر فأكثر من الجمهور، والعيش في ظروفهم، والإيعاز للوزارات والمؤسسات الحكومية أن تكون أكثر رأفة بالناس، حرصا على المشهد العام للوضع السياسي، بعيدا عن التمسك ببعض القرارات الإدارية بحذافيرها.