ملف المرضى في السجون الإسرائيلية (أو لِنَقُل مدافن الأحياء) والإهمال الطبي المتعمد هو نتيجة لظروف معيشية قاسية تشكل محاضن تصنع أمراضًا مزمنة، هذا ما قبل دخول مرمرة العلاج، كل ما في هذه السجون يشكل المحضن الطبيعي لإنتاج الأمراض المطلوبة، انتشار السرطان ومن قبل الأزمات الصدرية والقلبية وأمراض الظهر والبواسير والأعصاب والعلل النفسية.. إلخ، أعدد من هذه المواصفات التي تتمتع بها السجون والتي من شأنها إنتاج هذه الأمراض المزمنة، الآتي:
ضيق الغرف والاكتظاظ السُّكَّاني مع التهوية السيئة، حتى أنك لا تجد مكانًا للحركة وسط الغرفة إلا واحدًا واحدًا، خاصة في السجون القديمة مثل عسقلان، وقد كانوا يضعون ألواحًا من مادة "الإسبست" على النوافذ حتى تحجب الرؤية والهواء، ومعروف أن هذه المادة تسبب السرطان. إصرارهم على ضخ الغاز في الغرف كلما اشتدَّت الأمور بين الأسرى، وهذا نوع من البودرة التي يطول مقامها في الغرف، إذ إنه يختلف كثيرًا عن الغاز خارج السجن، سرعان ما تذروه الرياح، بينما داخل السجن يطول به المقام ليصل إلى شهر كامل كلما تحركت البطانية أخرجت ما في حناياها من بودرة الغاز، هذا الحال سبّب أزمات صدرية مزمنة لكثير من الأسرى. طبيعة الأكل غير صحية، إذ تأتي الخضراوات والفواكه من قبل متعهد يأتي بها من النوع الأردأ والذي كثيرًا ما تعلوه الفطريات، ومن الفول ما نخره السوس، وعن اللحوم حدِّث ولا حرج، إذ منها من النقانق ما تعافه الأنفس، ومن الدجاج مؤخرتها والذي يحتاج إلى إعادة الطبخ بعد تعريضه لحملة من التنظيف كي يخفف قليلًا من زنخه، أما اللحوم الحمراء فهي زرقاء كالميتة من المجمد الذي أمضى في الثلاجات عدد سنين. ثم الضغط النفسي الممنهج يدفع باتجاه أمراض عضوية ونفسية، إذ إن السجن بحد ذاته يشكل ضغطًا نفسيًّا من النوع الثقيل، فكيف إذا أضفنا صنوف العذاب والقهر التي يتفننون فيها، مثلًا العزل في زنزانة انفرادية ضيقة لا تتسع إلا لسرير حديدي وحمَّام صغير، وبعضها دون حمَّام فيقضي حاجته في سطل، ماذا إذا استمر على هذه الحالة عدة سنوات؟ فالأسير أحمد شكري مثلًا أمضى في العزل سبع عشرة سنة، وماذا إذا كانت المعزولة أسيرة؟ وماذا إذا كان طفلًا؟ تنقلات الأسرى عبر البوسطة، والانقضاض على السجن لمنعه من الاستقرار من خلال حملات التفتيش والنقل التعسفي من قسم لآخر ومن سجن لآخر، وإجراءات البوسطة وامتهان الكرامة من خلال القيد المبالغ فيه، يجد الأسير نفسه في ماكينة تعذيب دون أي مبرر سوى سادية مفرطة مولعة في ممارسة القهر وصناعة الألم النفسي للمعتقلين. الأحكام المبالغ فيها التي تمارسها محاكمهم العسكرية وما يجري على المعتقل الإداري من حرب نفسية مريعة. هذا من مقدمات صناعة المرض عند المعتَقَل، فإذا ما مرض دخل في ماكينة إضافية لزراعة الألم وهي رحلة العلاج، وهذه تبدأ بالتشخيص المرير، هذا إن اقتنع الطبيب مثلًا أنه بحاجة إلى صورة أشعة أو أي فحص داخلي، فهذا يتطلب انتظار الدور والذي قد يستغرق سنوات يمكث فيها على الأكامول كمُسَكِّنٍ للألم إلى حين هذا التشخيص، وبعد ذلك إن لزم عملية فيحتاج أيضًا إلى دورٍ من جديد، والأمر يتطلب الذهاب إلى مشفى الرملة وهو محدود الأَسِرَّة وبالتالي الانتظار الطويل، فالمرض لا يُكتَشَف مبكرًا ولا يعالج إلا بعد أن يتفاقم أمره.
فالسجون الإسرائيلية من يوم تأسيسها وما زالت إلى اليوم محاضن بامتياز لرعاية الأمراض وتحويلها إلى أمراض مزمنة.