عقب توليه رئاسة الولايات المتحدة عام 2009م، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بلاده لن تدير ظهرها لرغبة الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة خاصة بهم، وهو ما أحيا الآمال الفلسطينية نوعا ما. وزاد جرعة الآمال بالاتصال الهاتفي الأول الذي أجراه أوباما في أول يوم له في البيت الأبيض، مع الرئيس محمود عباس، وفي اليوم التالي عين ممثلًا خاصًا له في الشرق الأوسط من أجل التسوية، مبديا بذلك تبنيه أسلوبا مختلفا عن السياسات المنحازة لـ(إسرائيل) التي انتهجتها بلاده دائما، إلا أنه مع نهاية السنة الرابعة من الولاية الرئاسية الثانية (التي بدأت عام 2012م)، تنهال عليه الانتقادات بأنه اتبع سياسة خارجية فاشلة تجاه القضية الفلسطينية، وبالتالي ابتعد أكثر عن التوصل لحل.
وخلال كلمته التي ألقاها في جامعة القاهرة بمصر أثناء زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط في يونيو 2009 وبعد عدة أشهر من توليه المنصب، قال أوباما: إنه لا يمكن القبول بوضع الشعب الفلسطيني وطرح حل الدولتين وتطبيق خطة خارطة الطريق للسلام ..إلخ، وأن "الولايات المتحدة لن تدير ظهرها لرغبة الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة خاصة بهم"، وهو ما أضفى عليه صورة الشخصية التي ستنجح في تطبيق حل الدولتين.
لكن وبعد فترة قصيرة من توليه الرئاسة لم يلبث أوباما أن عاد إلى السياسات المنحازة إلى (إسرائيل)، واكتفى بمشاهدة مخططات الاستيطان التي تنتهك القانون الدولي، والحصار المفروض على قطاع غزة، ناهيك عن الحروب الثلاثة دون أن يغير ساكنا أو ينهي الاحتلال عن جرم اقترفه بحق الشعب الفلسطيني، ولم يقتصر الأمر على المشاهدة، بل اعتبر الهجوم الذي بدأته (إسرائيل) على قطاع غزة في 7 يوليو/ تموز 2014م واستمر 51 يوما وأدى إلى مقتل أكثر من ألفي فلسطيني.
فهذا الرجل الذي سيسلم منصبه إلى دونالد ترامب خلال أقل من أسبوع من كتابة هذا المقال أي في 20 يناير/ كانون ثان 2017م، لم يتمكن من تحقيق ما صرح به، وبالعامية "مش قدها"، فبعد أن شارف عهد حكمه (ولايتان من 8 سنوات) على الانتهاء، ولم يتبق منه سوى بضعة أيام أو ساعات قليلة، يبدو أن "ومضة الأمل" هذه في طريقها إلى أن تتلاشى وقتل كل الآمال التي كانت معقودة.
يبدو الفارق هائلاً بين أوباما في خطابه بجامعة القاهرة وفي خطابه الوداعي في شيكاغو. فقبل ثماني سنوات تحدث إلى الناس عن "بداية جديدة" مع العالم الإسلامي، وعن بناء الثقة، وعن دروس غزو العراق، وعن وضع الفلسطينيين "الذي لا يطاق" وعن التزامه شخصيًا بالوصول إلى (السلام) وتحقيق حل الدولتين "متحليًا بالقدر اللازم الذي تقتضيه هذه المهمة من الصبر والتفاني" واعتقد البعض انه يمتلك العصا السحرية لحل القضايا والنزاعات بما فيها القضية الفلسطينية، لكن كل هذه الأمور غابت عن خطابه الوداعي، وما هي إلا شعارات براقة خداعة؛ لأنها لم يحدث فيها اختراقات بل إخفاقات على المستوى السياسي، من القضية الفلسطينية إلى العراق إلى سوريا وليبيا واليمن دفعت المنطقة ثمن التردد الذي طبع سياسات إدارة أوباما التي كانت تكيل بمكيالين. ما لم يقله أوباما في خطاب الوداع دعمه غير المسبوق المالي والعسكري لـ(إسرائيل) وسكوته على ظلم الشعب الفلسطيني .. والمصائب التي حدثت بسبب تردد إدارته أو انكفائها.