قبل عام تقريباً، التقينا مجموعة من الكتاب والمثقفين مع رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، وكان جل الحديث منصباً على واقع غزة، وضرورة حل اللجنة الإدارية التي شكلتها حركة حماس في حينه لإدارة شؤون قطاع غزة.
لقد قال جميعنا للسنوار وبصوت واحد، حلوا اللجنة الإدارية يا حركة حماس، فهذا شرط المجلس الثوري لحركة فتح لرفع العقوبات عن غزة، وهذا هو شرط محمود عباس نفسه، وهذا شرط اللجنة المركزية لحركة فتح، وهذا شرط اللجنة التنفيذية، وهذا شرط كل مسؤول في السلطة يتحدث عبر وسائل الإعلام، وفي الصالات المغلقة، الجميع يقسم أن حل اللجنة الإدارية هو الشرط الوحيد لرفع العقوبات، وتحمل الحكومة مسؤولياتها كاملة عن حياة الناس في غزة.
حل اللجنة الإدارية يا يحيى السنوار، قلنا له بصوت قوي، جميعنا؛ المؤيدون لحركة حماس والمختلفون معها، المنتمون لحركة حماس والمنتمون لتنظيمات أخرى، المتعاطفون مع السلطة والمتعاطفون مع حماس، قلنا بصوت واحد، حلوا اللجنة الإدارية، يا حركة حماس، كي لا تبقي حجة أو ذريعة لأي واحد يشترط رفع العقوبات عن غزة بحل اللجنة الإدارية.
كان ذلك قبل عام من هذا التاريخ، حين قال لنا السنوار: حماس على استعداد لحل اللجنة الإدارية في غضون أربع وعشرين ساعة، ولكن، من يضمن لنا قيام الحكومة بواجباتها؟
وكان الرد السريع من جميع الحضور، نحن نضمن ذلك، نحن من سيهاجم الحكومة والسلطة، نحن من سيتصدى للظلموالإجحاف بحق الموظفين والمواطنين فيما لو خدعتنا السلطة، وغرربنا تنظيم حركة فتح، وخذلنا رئيس السلطة، وغشنا المسؤولون، نحن يا يحيى من سيقف بالمرصاد لكل عميل للاحتلال يعزز الحصار الإسرائيلي بفرض مزيد من العقوبات! لقد كانت لغة المستقلين والمقربين من السلطة أقوى وأصلب، وأعنف في الاستعداد للقيام بواجبهم الوطني ضد فرض العقوبات، وذلك إذا بادرت حركة حماس وحلت اللجنة الإدارية.
وبعد أيام من اللقاء، أعلنت حركة حماس عن حل اللجنة الإدارية، ولكن العقوبات لم ترفع، فقد وضع محمود عباس شرطاً جديداً، اسمه التمكين، هذا الشرط الذي داس في احشاء كل حريص على الوطن، وكل من صدق أن قيادة السلطة جادة في تحمل مسؤولياتها تجاه أهالي غزة.
كان يجب أن أرجع إلى الزمن القريب، وأن استعرض تفاصيل ما حدث، بعد أن اطلعت كغيري على الورقة المصرية للمصالحة، الورقة الرزينة الدقيقة الأمينة الرائعة، والتي وضعت آلية زمنية لتنفيذ بنود المصالحة، وكان من أهم بنودها؛ تشكيل حكومة وحدة وطنية، تحل محل حكومة التوافق التي لا توافق عليها، ولا اتفاق على بقائها، حكومة وحدة وطنية تشرف على حياة الناس في غزة والضفة، وتشرف على الانتخابات، وتدير بقية الملفات الخلافية بطريقة وطنية.
لقد وافقت حركة حماس على الورقة المصرية، ولكن حركة فتح لم توافق على الورقة المصرية، وضعت شروطها التعجيزية، وأهم شرط التمكين، تمكين حكومة التوافق الموجودة حاليا أولا وبشكل كامل من إدارة قطاع غزة، قبل الانتقال إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة.
إن رفض حركة فتح للورقة المصرية لا يغطيه غربال التصريحات التجميلية عن الوحدة الوطنية، رفض الورقة المصرية طلاق بالثلاثة، يفرض على كل القوى الوطنية والسياسية والفكرية والمجتمعية، أن تفكر بشكل جديد، بعيداً عن الوسطية، وتحميل مسؤولية الانقسام للطرفين، على جميع المنتمين للوطن، والمخلصين لفلسطين أن يتحملوا مسؤوليتهم الأخلاقية والسياسية، وأن يكفوا عن الانخراط في لعبة المصالحة الهزلية، وعلى مصر العربية أن تشير بأصبع الاتهام إلى الجهة المعطلة للمصالحة، حتى يبدأ الكل الوطني الفلسطيني بخطوات عملية، تفرض منطق الكرامة الوطنية بعيداً عن التعاون الأمني، والشراكة السياسية بعيداً عن التفرد بالقرار، والمقاومة للعدو بكافة أشكالها، بعيداً عن المواء استجداءً لفتات المفاوضات.