رغم اختلاف اللغويين حول أصل تسمية غزة بين من اعتبرها مشتقة من المنعة والقوة، ومن اعتبرها المختارة المجتباة، فإن جميع المعاني تصب في خانتها التي ما عرفت على مر عصورها منذ أسسها الكنعانيون إلا المقاومة والصمود؛ حيث إنها صدت الغزاة عنها وردتهم خائبين يجرون الهزيمة والحسرة، وظلت هي تقاوم حتى جاء إليها شذّاذ الآفاق، محاولين إخضاعها إلا أنها، كما كل مرة كانت تردهم عن أسوارها، فغزة لا تهان، ما حدا بالمحتل الإسرائيلي المعروف بإجرامه إلى محاصرتها ليبلغ عمر هذا الحصار الظالم لغزة أكثر من اثنتي عشرة سنة، ولتعلن غزة أنها رغم الحصار عصية منيعة وأنه سيولد يوماً ما من رحم معاناتها أمل يعيد الحق لأصحابه مهما طالت سنوات الحصار، أو استخدم ضدها أعتى الجبروت العسكري.
غزة التي تعد من أكبر مناطق العالم كثافة بالسكان؛ حيث بلغ عدد سكانها ما يقارب المليونين، ترزح تحت حصار إسرائيلي، وقصف همجي متواصل، في حين تواصل الآلة الإعلامية الإسرائيلية الزعم بأن الصراع مع غزة كجزء وفلسطين ككل هو فقط مطلبي ويتمثل في تأمين الطعام والمعاش، وليس وجودياً وحقاً يصارع باطلاً. لذا تحاول (إسرائيل) بين الفينة والأخرى السماح بعبور بعض الشاحنات المحملة بإغاثات كي تظهر «فضلها وكرمها»، محاولة بتلك المساعدات التغطية على هدفها الأكبر وهو عدم فك الحصار وعودة الحياة مجدداً إلى القطاع.
غزة تعيش في سجن كبير، والأوضاع فيها مهيأة لانفجار كبير، حيث إن نسبة البطالة فيها تعدت ال 60 في المئة، والحلول الإسعافية الآنية التي يقوم بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل الصلف الإسرائيلي الذي دأب على النكث بكافة العهود والمواثيق مع القطاع المحاصر. والمضحك أنه يلوم سكان القطاع إن استهدفوا بالطائرات الورقية الأراضي المتاخمة للقطاع في محاولة من المتظاهرين لتحريك الرأي العام العالمي لفك الحصار، ويتعامى عن إجرامه الذي أودى إلى اللحظة منذ انطلاق مسيرات العودة بأكثر من 150 شهيداً، وما زال القتل متواصلاً والدم يسفك.
قطاع غزة ليس بمفرده الشوكة في حلق المحتل الإسرائيلي، فهذا الاحتلال يحارب كل من تنبض عروقه بالدم الفلسطيني؛ بل إنه يحارب كل ما يرمز للفلسطينيين، وما قيامه بتعطيش ثلاثة آلاف دونم زراعي في منطقة الأغوار إلا أحد أمثلة إجرامه المستمرة، كما أنه لم يسلم من همجيته وعنصريته حتى من يقيم ضمن ال48؛ حيث شرّع قانون «يهودية الدولة» ليسلب كل فلسطين. والسؤال الأخير الذي يطرح في الختام، أي سلام وتنسيق أمني تنشده بعض القوى الفلسطينية مع هذا المحتل، ولماذا لا يُفعّل خيار المجابهة والمقاومة؟