فلسطين أون لاين

قراءة في نقل السفارة

تقوم علاقات الدول فيما بينها على المصالح، ومدى ما تحوز كل دولة من عوامل القوة، ومن هنا إن تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بخصوص اقتراح نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة تجيء ضمن هذا السياق، بحساب دقيق للمكاسب والمخاسر من اقتراح النقل المنوي، وليس ضمن سياقات أخرى عاطفية، أو مفاهيم الحق والخير، التي يتشبث بها الفلسطينيون على أهميتها، كون قضيتهم أعدل قضية في العالم.

تاريخيًّا شنت دول الغرب حروبًا صليبية شرسة من أجل السيطرة الدينية على القدس المحتلة، لكنها فشلت بالاستمرارية على يد صلاح الدين الأيوبي، لكن ذلك لا يعني انتهاء الحلم والفكرة لدى الغرب، وذلك مع زراعة الغرب الكيان العبري في قلب العالم العربي والإسلامي، لحل مشكلة تكتيكية طارئة للغرب، وعد دولة الاحتلال القدس عاصمة دولتهم "اللحظية" في غفلة من التاريخ.

ليس من مصلحة ترامب استعداء العالم العربي والإسلامي دفعة واحدة، خاصة أن الوضع متفجر أصلًا وفيه ما يكفيه من معضلات وتعقيدات، ليقوم بخطوة نقل السفارة من تل الربيع إلى القدس المحتلة، فما الحكمة من زيادة الحقد والغضب على أمريكا، التي تفقد المزيد من النقاط على مستوى العالم بفعل التغيرات والسنن الكونية الإجبارية لا الاختيارية؟، وسواء أرضيت أمريكا أم رفضت، إن سنة الله غالبة.

من الناحية الدينية إن أمريكا امتداد للحضارة الغربية الأوروبية، ومن هنا إن المعتقدات الدينية للمسيحية العالمية ترفض عدّ القدس عاصمة الكيان العبري، كون الكيان دولة يهودية عابرة، وأصلًا وجوده مرتبط بالدعم الغربي، ولولاه لما بقي واستمر كل هذا الوقت الطويل نسبيًّا.

تصريحات ترامب قبل الانتخابات ليست هي بعد الانتخابات، فمعروف في عالم السياسة أن وعود السياسيين قبل الانتخابات تختلف عنها بعد الانتخابات، ولن يكون ترامب استثناء من هذه المعادلة الحياتية الغربية.

صحيح أن ترامب يوجد من يحاسبه على برنامجه الانتخابي، ولكن الإدارة الأمريكية تعرف أن الوضع العربي متفجر وقابل للانفجار أكثر من ذلك، وقضية مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ليست هينة، وتزيد من قوة الانفجار، بدل أن تخفف من الصراع والمشاكل لأمريكا التي تقود العالم بفعل ما تملك من قوة.

عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد إشتية طالب المساجد في الشرق الأوسط يوم الجمعة المقبل برفع الأذان، والكنائس بقرع الأجراس، رفضًا لنية ترامب نقل السفارة إلى القدس.

جيد أن تهدد السلطة الفلسطينية بسحب الاعتراف بالكيان العبري، في حالة نقل السفارة، في نوع من الضغط على ترامب، وجيد أكثر أن يتبع بدعم عربي وتظاهرات في العواصم العربية، فالقدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وترامب بعد أن يتولى أمور القيادة العالمية لأمريكا سيدرس خطواته وقرارته بحكمة وروية، وخسارة الكثير وتفجير الأوضاع مع العالم الإسلامي مقابل ربح قليل بنقل السفارة لن يقبل عليهما ترامب.

في المحصلة وبحسب قراءتنا لقضية نقل السفارة إن كل المؤشرات تقول إنه قرار صعب وخاسر للإدارة الأمريكية، وهو ما نادى به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وطالب بعدم نقل السفارة، وقال صراحة: "إن مصدر المشكلات في المنطقة هو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، وكلٌّ يعرف من أوجد وزرع الكيان العبري في فلسطين المحتلة.

لكن حسابات ترامب قد تكون مختلفة كلية عن حسابات المنطق، ومن هنا إنه على كل فلسطيني وعربي ومسلم وكل أحرار وشرفاء العالم أن يحوزوا مصادر قوة أكبر وأكثر، كون عامل القوة هو الحاسم في كل الأمور وعلاقات الدول فيما بينها، سواء أكانت دولًا ضعيفة أم كانت دولًا تقود العالم؛ فهل تعلمنا الدرس هذه المرة؟