لا يرى العدو الإسرائيلي عربًا في هذا الوطن الكبير المنداح بين المحيط والخليج؛ فالعرب توزعوا على “دول” من نفط وغاز وكرتون، وأهملوا هويتهم الموحدة، فغدوا شعوبًا شتى لا يجمعهم جامع، لا هوية ولا رابط من المصالح المشتركة، وأسقطوا تصنيفهم بأنهم “خير أمة أخرجت للناس”.
وها هو العدو الإسرائيلي الذي يحتل الإرادة العربية بعنوان فلسطين يندفع في مشروعه الاستعماري ـ الاستيطاني، فيقر الكنيست ”قانونًا” عنصريًّا جديدًا يلغي فلسطين أرض التاريخ والأديان السماوية، ويقرر أنها (اسرائيل)، ثم يزيد فيدعي أن فلسطين التي بات يسميها (إسرائيل) هي لليهود وحدهم.
لا يعترف الإسرائيليون بحقائق التاريخ والجغرافيا ولا يعترفون ـ على وجه الخصوص ـ أن لفلسطين شعبها الذي كان دائمًا شعبها، وجد فيها منذ بدايات التاريخ، ودافع عنها وقاتل لحمايتها الرومان والصليبيين، وحمى اليهود فيها ممن أراد الانتقام منهم بجريرة صلب المسيح، أو أعادهم إلى بيوتهم بعدما حررها صلاح الدين الأيوبي.
ولا يعترفون مثلًا أن اليهود ـ كما يشهد التاريخ ـ كانوا دائمًا أقلية في فلسطين، التي كان أهلها يتوزعون بين الدين الإسلامي والدين المسيحي، وجميعهم من العرب، عاربة أو مستعربة.
اليهود استقدموا بأكثريتهم الساحقة من الغرب أو الشرق الأوروبي، متذرعين بالاضطهاد النازي، ليغزوا بالمكيدة كما بالتآمر أو التواطؤ البريطاني فلسطين ليحتلوا أرضها، ويطردوا شعبها منها، فيشرد أبناؤه لاجئين في أربع رياح الأرض.
ولاشك أنه ما كانت هذه المؤامرة لتحاك، ويصدر في ظلها هذا الفرمان الإسرائيلي، لولا الإسناد الأميركي المفتوح، الذي تجلى بأجلى صوره في قرار المخبول الذي يحتل البيت الأبيض دونالد ترامب، الذي تشجع دون غيره من القادة والرؤساء في العالم على نقل سفارته من (تل أبيب) إلى القدس المحتلة، مستنفرًا عددًا من الدول التابعة لتلتحق به فتنقل سفاراتها إلى القدس.
وقبل ذلك ومعه، ما كان العدو الإسرائيلي ليجرؤ على اتخاذ هذا القرار الذي يشابه “إعلان الحرب”، بل ربما “إعلان الانتصار على العرب مجتمعين في هذه الحرب”، لو أنه يحسب حسابًا للعرب الذين تفرقوا وانقسموا أو اقتتلوا وانقلبوا على تاريخهم، وهانت عليهم أرضهم التي يفترض أنها جميعًا مقدسة؛ فباتت مشاعًا لكل من غلب.
وممن سيخاف الكيان العبري؟!
من مصر التي رهنها أنور السادات بصلحه المنفرد معه، الذي وقعه بدماء أبطال الجيش المصري الذين بشرونا مع رفاق سلاحهم في الجيش السوري يوم العاشر من رمضان (6/ أكتوبر/ 1973م) بالنصر الذي اغتيل قبل اكتماله؟!
أم من سوريا الغارقة في دماء شعبها وجيشها نتيجة التآمر عليها، وغفلة النظام واستكباره؟!
أم من العراق الذي دمرته مغامرات صدام حسين قبل أن تقدمه “هدية مجانية” للاحتلال الأميركي في أوائل عام 2003م؟!
أم من ليبيا التي ظل العقيد معمر القذافي ينكر وجود شعبه ويعامله بإنكار حقوقه حتى انفجرت به بلادها، التي كان مقدرًا لها أن تلعب دورًا طيبًّا في خدمة قضايا أمتها؟!
أم من الجزائر التي يحكمها رئيس على كرسي متحرك، يرفض الاعتزال وترك المنصب لأي من الأسوياء، جسدًا وعقلًا، وهم بالملايين في جزائر المليون شهيد، يهربون اليوم من بلادهم إلى مستعمرهم الفرنسي القديم، لاسيما بعدما استقبلوا رئيسه السابق الخاضع الآن للمحاكمة بالهتاف المهين لمن هزوا السلاح في وجه عسكره: “فيزا، فيزا..”؟!
أم من أقطار الجزيرة والخليج التي تتسابق إلى الاعتراف بدولة العدو وإقامة العلاقات معها، بعد ما انكسر حاجز الخوف، وفرض الكيان العبري منطق القوة على العرب مجتمعين، كما فرضت مصالح أهل النفط والغاز عليهم الاعتراف بالعدو، علنًا في الغالب الأعم، وسرًّا متى خافوا العلانية واتهامهم بالتواطؤ مع العدو على فلسطين والعرب كافة.
ويا فلسطين جينالك ... جينا وجينا جينالك ... جينالك لنشيل أحمالك.