لم يهتم أي مسؤول عربي بهذا الذي جرى، مع أول ضوء، في بلدة صور باهر الفلسطينية. اعتبروا الامر "طبيعياً" و"عادياً". فكل الاهتمام العربي الرسمي يتركز الآن على "صفقة القرن" ومساعي جاريد كوشنر، صهر الرئيس الاعظم في الكون دونالد ترامب..
سيقول جمهور اليائسين من أنفسهم ومن تاريخهم، بالماضي منه والغد الآتي: وما ذنبنا نحن؟ أن العدو الاسرائيلي هو الاقوى، ومعه العالم أجمع، بغربه وشرقه، بعربه وبدوه.. فماذا نملك لصده؟
لا يحمي الارض إلا أهلها.. ونحن جميعاً، في المشرق كما في المغرب، أهل فلسطين.
إما أن نقول لهم: اذهبوا انتم وربكم فقاتلوا.. فهي الخيانة المعلنة!
لقد غاب الملك السعودي عن اجتماع المنامة الذي عقد للترويج ل"صفقة القرن" وتمثلت فيه بعض كوفيات الممالك والامارات والسلطنة، لكن هذا لا يعني المقاطعة أو رفض "الصفقة" أو السعي لإحباطها... الخيانة تحتاج إلى الجرأة، والجرأة لا يملكها الا الرجال الرجال الذين يحفظون أرضهم ويقاتلون لحمايتها من الطامعين والغاصبين والمحتلين.
لقد أمكن لصلاح الدين الايوبي أن ينتصر على مناخات الهزيمة والخيبة في رد الصليبيين، والتي كانت قد سادت على امتداد مئتي سنة، وان يقاتل مع الرجال المؤمنين بأرضهم ومقدساتها حتى هزم الصليبيين في معركة حطين المجيدة التي وقعت في 4 تموز/ يوليو العام 1187بالقرب من قرية المجاودة الواقعة بين الناصرة وطبريا، والتي اسفرت عن تحرير مملكة القدس ومعظم الاراضي التي احتلها الصليبيون، وهم الذين جاؤوا غزاة وقد تسلحوا بالصليب في محاولة لتغطية الاستعمار الاستيطاني لبعض اقطار المشرق العربي.
وصحيح أن الاستعمار الاستيطاني الجديد الذي يتخذ من أسطورة "ارض الميعاد" سلاحاً لاحتلال فلسطين واقامة دولة اسرائيل فيها، مفيداً من خيانة اصحاب العروش (الامير عبد الله الهاشمي الذي جعلته النكبة ملكاً)، والضابط الذي نصب نفسه ماريشالاً ( حسني الزعيم) ليحكم سوريا عبر انقلاب عسكري، بالعسكر القليل، بدلاً من أن يلتحق بجيشه حتى لو كان العدد والعتاد أعجز من أن يواجه العصابات الصهيونية التي اجتاحت فلسطين، بجنود دربتهم قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية وسلحتهم بالطائرات والدبابات التي لا يملك مثلها العرب، لا سيما في مصر- حتى لا ننسى حكاية السلاح الفاسد الذي استولد – الكلمة- الشهادة التي نتداولها الان كنكتة والقائلة: "يا رب تيجي في عينه".. لأن هذا الجندي المصري كان يبعد البندقية عن عينيه حتى لا تقتله بدل أن تقتل عدوه الصهيوني.
ولمن يصدق الاساطير الصهيونية من أن اليهود انما عادوا بعد دهور من التشرد والمنافي - وهذه اكاذيب مطلقة - فان الأستاذ الكاتب والدارس المحترم الدكتور جورج صليبي في كتاب موثق بالأدلة اثبتت أن "التوراة جاءت من شبه الجزيرة العربية"...واعظم دليل على صدق هذه الرواية أن السلطات الملكية من احفاد "مسيلمة الكذاب"، السعودية، قد منعت هذا الكتاب وصادرت نسخه في المملكة وخارجها، وان اليهود وفدوا إلى فلسطين في من وفد من أهل الجزيرة العربية واستوطنوا في اقطار المشرق.
إن "صفقة القرن" هي التتمة المنطقية لوعد بلفور الذي "اعطاه من لا يملك لمن لا يستحق" (1917). وهي، في الوقت ذاته الحصيلة المتأخرة لمعاهدة سايكس - بيكو بين المنتصرين في الحرب العالمية الاولى، وكانا وزيري الخارجية في كل من لندن وباريس، والتي تضمنت ما يوحي بالعمل الجاد لتنفيذ وعد بلفور عبر تقاسم المشرق العربي بحيث يتم اخضاع لبنان - بعد ضم الاقضية الاربعة إلى جبل لبنان لتكون الدولة التي نعرفها - وسوريا، بعد تقسيمها إلى اربع دول لكن شعبها رفض هذا التقسيم واصر على وحدة دولته التي اقتطع منها البريطانيون شرقي الاردن لتكون امارة لعبد الله ابن الشريف حسين. "دولة" تحمي حدود فلسطين التي وُضعت تحت الانتداب البريطاني (1920) كحاجز حامي وحارس "شريف" لحدود الدولة العتيدة، اسرائيل، التي ستمحو فلسطين عن الخريطة.
ها هو شعب فلسطين يقاتل باللحم الحي، بالحجر، بالعصي، وبما ملكت أيمانه من سلاح لكي يبقى في أرضه التي كانت دائماً أرضه..
لن تنجح "صفقة القرن" مهما استسلم من حكام العرب، ملوكا وأمراء وسلاطين ورؤساء.. ولسوف تفشل هذه الصفقة المهينة لهذه الأمة مهما تواطأ احفاد مسيلمة الكذاب وشركاؤهم في الخيانة وبيع الأوطان.. ولسوف ينتصر شعب فلسطين.. مهما طال الزمن! والأمة ولادة، ولن تعيش إلى الأبد في ظل الهزيمة!
السفير العربي