لقد غرقنا في متاهات السياسات الخنّاقة والمناكفات الإجبارية إلى درجة تجعلنا نشكّ في أن بعض الأحداث مصنوعة لإشغالنا فحسب عن المسائل الكبرى في جوهر القضية.. الكنيست (اليهودي) أصدر القانون الأساسي لكيانهم، فأصبح هذا الكيان هو الدولة القومية لما يسمونه بالشعب اليهودي ، وهو "الشعب" الذي لم يقبل معظمه أن يترك بلدانه الغنية ويعيش في حزام النار ، فمدّت "الدولة" حبالها لتمسك بكل يهودي في العالم بغض النظر عن جنسيته ، لتصبح هذه الدولة " دولته التي تنتظره في أي وقت سيحتاجها فيه .
وهو "الشعب" المتشعّب الذي يعيش في مجتمعاته الخاصة المتأثرة بمحيطه، والذي هو في الحقيقة مجتمعات وليس شعباً، ولم يكن كذلك يوماً في التاريخ .
هذا القانون العنصري لا يستند إلى منطق ولا تاريخ ولا حقيقة كاملة، يعتمد على الانتقائية في تعيين المطلقات ، فالمبادئ الأساسية التي ينطلق منها هذا القانون هي مبادئ تنسف القانون الدولي والسياسة ، وتعني نهاية النظام العاقل واستبداله بالفرز الاعتقادي.
مسحوا اسم فلسطين بالكامل رغم عراقته وقدمه، واستحدثوا المسمى الأدبي "أرض إسرائيل" وجعلوه الوطن التاريخي لهم، وتجاهلوا جميع الشعوب التي مرت، والتي تحمل الحق نفسه في ادعاء ملكية الأرض – حسب منطقهم – بل تجاهلوا الشعب القائم عليها من الفلسطينيين.
وإمعاناً في العنصرية الدينية التي لا يمكن لأي مهتم أو متعاطف مع حقوق الإنسان أن يعلن وقوفه معها، فقد أعلنوا أن هذه الأرض هي المكان الطبيعي لممارسة الحق في تقرير المصير وممارسة ثقافته وديانته وتثبيت تاريخه حتى إن كان مزيفا كاذباً فيها .
وهذه الحرية ليست مفتوحة فلا يجوز للفلسطيني الذي اضطر لحمل الجنسية الإسرائيلية فيها أن يمارس حقه في تقرير مصيره لأن هذا الحق محصور بالشعب اليهودي فحسب .
إن هذا القانون يعني أن هذه "الدولة" دولة دينية عرقية عنصرية، وأن أي مقاومة لها لا يجوز أن تلغي البعد الديني والقومي والعرقي في حربها، وهذا يعني استدعاء معارك التاريخ كلها لمحاربة هذا الواقع العنصري المسنود بالقوة الذاتية وبالقوى الدولية وبالعجز الفلسطيني والعربي والإسلامي.