الكل يقول في المصالحة بينما هي صامتة، ماذا لو أعطيناها الحديث، ماذا عساها تقول؟
بعد مشوار طويل والكل يناشدني أن أكون حاضرة، وأن آخذ بيد الناس، بينما الأطراف المتنازعة تريدني وتتمنى حضوري ولكنها في نفس الوقت لا تبذل قصارى جهدها، طال علي الأمد وأنا معلقة على شجرة باسقة ولا أجد لي مكانة مناسبة تليق بي وأستطيع من خلالها أن أعبر عن ذاتي بشكل طبيعي وحقيقي ، وأقوم بدوري المنشود .
أخيرا قررت أن أعلمكم بالآتي:
لتعلموا جميعا أني حرة عزيزة كريمة ، لي شروطي وأهدافي ولي قراري، لست رهن إشارتكم، آتيكم متى وحيثما وكيفما تريدون، لا أيها السادة الكرام، إما أن تأخذوني وحدة كاملة وكما أريد أو أن تتركوني وشأني .. ما لكم كلٌ يفهمني على مقاسه ووفق تصوراته ويريد أن يلوي عنقي حسب أهوائه . ومن شروطي أن تخرجوني من دائرة الشعار أو الادعاء أو التمني أو المزاودة أو الهروب إلى الأمام أو التمسح بي ، هذا لن ينفع ، المطلوب هو أن تقصدوني بالفعل وأن تتحرك إرادات صادقة باتجاهي وإلا سرعان ما أكشف زيفكم وأبتعد عنكم ، أنتم أمام شعب واعٍ يكتشف بسرعة ويعرف كيف يميز الخبيث من الطيب . بعد هذه التجربة الطويلة المريرة قررت ألّا أكون إلا متلازمة مع برنامج وطني أو عقد سياسي تتفق عليه كل القوى الفاعلة في المجتمع الفلسطيني ، فلا معنى لشحن العواطف والمشاعر معي دون أن تكون هناك عملية تمكين تستعصي على العواصف السياسية العاتية وتضمن الاستمرارية ، فدولة الاحتلال مثلا تشكلت على أساس عقد سياسي ضَمِن لمجتمعهم الاستمرار رغم عنصريته البغيضة وإقامته الباطل على أرض غيره ، ودول كثيرة في العالم يحكمها مثل هذا التوافق الممأسس ، ومن خلالها تكون الشراكة السياسية متاحة للجميع ويتم تداول السلطة بطرق سلمية يحكمها النظام والقانون ، ولا أريد أن أضرب أمثلة على صعيد عالمي ، دول وشعوب كثيرة لا تعد ولا تحصى وصلت الى مثل هذا العقد السياسي ، لا يمكن لي وبعد هذا الوقت الطويل من الخبرة السياسية لدى الشعب الفلسطيني أن أعود لأتفاعل مع مشاعر الناس دون أن أكون حاضرة وفاعلة بطريقة توافقية ناجحة تضع كل النقاط على كل الحروف السياسية في معادلة عقد سياسي تتعاهد عليه جميع القوى الفاعلة . ولا بد حتى يتم نجاح استقراري واستمراري أن أدخل بقوة وجدان ثقافة المجتمع بحيث يعلم الناس أن المصالحة مسألة حياة أو موت لقضيتنا ، فالانقسام أضاف لنا نكبة جديدة أشد وقعا من سابقاتها بينما المصالحة والوحدة الوطنية هي أول سبل النجاة من براثن الاحتلال وهي الشرط الأكبر لتحرير البلاد والعباد. وهنا يجب ألّا نكتفي بالتصريح وطرز الشعار وخطب الجمعة بل يجب أن يجري العمل على تحويل الأمر إلى قيمة سلوكية ومنهج تربوي نتربى ونربي أبناءنا عليه، وهذا يتطلب المزيد من الانشطة والتدريب العملي والعمل الفني والمسرحي لكي ننتج عقلا جمعيّا يشمئز وينفر من الفرقة والانقسام ويتمسك بكل قوة بالوحدة والمصالحة وإذا اقتضى الأمر وانحرف السياسي نجد هذا المواطن وقد نزل إلى الشارع وفرض على قادته المصالحة . هذا قولي أيها السادات والسادة ولن أقبل بأقل من هذا أو أن أبقى ممسحة لكل من أراد أن يحسن من صورته أو تمثالا لمن يريد أن يلتقط معي صورة .