فيما تتصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد غزة، وتنفيذ عدوان جديد، بسبب استمرار إطلاق الطائرات الورقية، تصدر أصوات إسرائيلية تطالب بإبرام صفقة سياسية مع حماس، بعيدة المدى، تشمل تحسين الظروف الإنسانية للقطاع، وهدنة طويلة، وتكليف مصر والمجتمع الدولي بإدارة المشاريع الاقتصادية والتشغيلية في القطاع، على أن تكون السلطة الفلسطينية في الواجهة منها.
اللافت أن الأصوات الداعية لتجاوز الخيار العسكري الإسرائيلي مع غزة، لا تحظى بتسليط الضوء والتركيز عليها، فيما يتوسع الصحفيون، ويكتب المحللون، ويعلق الكتاب، على أبعاد العملية العسكرية القادمة: أبعادها العملياتية، مداها الزمني، عمقها الجغرافي، وخسائرها المتوقعة من الجانبين.
هذه السطور ستنشغل بمدى واقعية الخيار غير العسكري، بما يحقق لـ(إسرائيل) وحماس في الوقت ذاته، أهدافهما ومصالحهما، وما هو السبيل لذلك، وهل يعني هذا تعايشا بينهما، ولو اضطراريا، رغم أن كلا منهما يدعو صباح مساء للقضاء على الآخر.
بين العدوان الشامل الذي يستأصل شأفة حماس كليا، وتصويره على أنه العملية العسكرية "الأخيرة" كما وصفها ليبرمان أكثر من مرة، وبين التعايش الاضطراري بينهما، مسافة رمادية وسطى، تتمثل بهروبهما للأمام من مواجهة قادمة، تحرق الأخضر واليابس، وتجبي منهما أثمانا باهظة، قد لا يقويان على تحملها.
في هذا السياق تخرج المبادرات الهادفة لتسكين ملف غزة مؤقتا، وهي مبادرات محلية من القطاع الخاص الفلسطيني والوزارات الإسرائيلية، وأخرى إقليمية من مصر وقطر وتركيا، وثالثة دولية مصدرها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وهي مبادرات استغرقت وقتا وجهدا كبيرين بقراءة بنودها وموازناتها ومكانها الجغرافي، لكنها لم تترجم حتى الآن واقعا على الأرض، ولم يشعر بها الفلسطينيون، مما جعلهم يطبقون عليها المثل القائل "كثر حركة وقلة بركة".
لاشك أن حماس و(إسرائيل) سترحبان بتطبيق هذه المبادرات التي تطوي صفحة التوتر الأمني المتصاعد، ولا أحد منهما يعرف مآلاته المتوقعة والمفاجئة، لكن هناك ثمة عقبات كأداء قد تعترض تنفيذها، وترجمتها ميدانيا.
ف(إسرائيل) قد ترى في تحسين الظروف الإنسانية في القطاع، ورفع الحصار عنه انتكاسة لسياستها المعلنة منذ 2006، والمتمثلة بأن "غزة لا تحيا ولا تموت"، على أنه مكافأة لحماس على صمودها طوال هذه الفترة، وهو أمر قد لا تقبل به (إسرائيل) بصدر رحب، ومن معها من الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية.
أما حماس، فتعلم أكثر من سواها أن تنفيذ هذه المشاريع، وإحداث هذه الانفراجة المعيشية لغزة، لن يكون مجاناً هكذا، بل سيسبقه دفع استحقاقات سياسية وعسكرية، لن يكون من السهل على الحركة التسليم بها، ولو أن بعض الاحتيال والتذاكي قد يسعفها في تمرير مطالب باقي الأطراف.