فلسطين أون لاين

​3 أسباب ستُشعرك بالخجل لو كنت تضرب طفلك

...
غزة / القاهرة - حنان مطير

لم يكمن الحلّ يومًا في الضرب للتخلّص من مشكلةٍ ما، لأنه ليس وسيلةً تربويةً، ولن يكون كذلك ما دمنا نمتلك العقل والدّين، بل الضرب سببٌ أول لخلق التشوهات والعقد النفسية التي لا يمكن تخيلها.

الكثيرون يعلّقون على موضوع الضرب بالقول: "محنا انضربنا كثير، وهينا مثل الفُلّ لا عندنا مشاكل نفسية ولا تشوّهات"! بالمقابل فإن المستشارة النفسية والتربوية دعاء صفوت من جمهورية مصر العربية تردّ على أولئك في حديثها لـ"فلسطين" بتساؤل وتعجّب: "من قال أنكم أسوياء نفسيًا مثلما تدّعون؟! إنكم لستم كذلك، والدليل أنكم تضربون أطفالكم لأن لا أحد يمكن أن يكون سويًا وهو يضرب طفلًا!".

وتقول: "لو أنك رأيت أحدًا يضرب في الطريق قطّة، فإنك ستحاول وقفه ونعته بأنه لا يملك في قلبِه رحمة، ولو أنك رأيت رجلًا غريبًا أيضًا يضرب طفله في الشارع فإنك ستتوقّف لتمنعه ويكون مسوّغك "هو أنت لا تملك رحمة في قلبك؟" أو "هو قدّك؟!".

سبب عقلي

إذًا فهل أنت لا تملك رحمة حين تضرب طفلك الضعيف وأنت بهذا الطول والعرض؟ هل هذا الطفل يماثلك عمرًا وعقلًا كي تسمح لنفسِك بضربِه؟! هل أنت سويّ إذًا؟! بل إنك لم تستطِع السيطرة على مشاعرِك، في حين أن السويّ نفسيًا هو من يمتلك القدرة على تمالك نفسِه عند الغضب.. تضيف المستشارة صفوت، وتُبيّن أن هذا أول سبب عقليّ سيدفع الشخص الذي يضرب طفلًا يخجل من نفسِه حين يمدّ يده ويضرب.

وآخرون يتذرّعون بأن "الضرب مباح شرعًا"، من أجل تبرير ذلك لنفسِهم وتبرئتها حين يضعفون أمام الصغار ويضربونهم، مستندين إلى قول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: "مروا أبناءكم للصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر...".

وهنا تردّ المستشارة صفوت بتساؤلٍ أيضًا: "هل ذكر في أي من كتب السيرة أن الرسول عليه السلام ضرب طفلًا أو خادمًا أو امرأة؟ بالطبع لا".

أما ما يتعلّق بالحديث الشريف فهو حديث حول الصلاة التي هي "عماد الدين"، وثاني أهم ركنٍ من أركان الإسلام، وليس حول "كسر أو سكب كوب حليب" أو "لفظٍ نابٍ يلفظه الطفل" أو "عناد وعصبية وصراخ" أو "كذب".. إلخ"، تضيف.

وتتابع: "وهذا يعني أن ما قبل السبع سنوات لا بد من أن يقضي الطفل حياته في اللعب والتعليم فقط، وفترة ما بين السبع والعشر سنوات تتطلّب التدريب والتعويد والتحبيب بمختلف الطرق اللطيفة واللينة".

وتواصل: "فالأمر يقع على عاتق الوالدين في التربية طيلة تلك المدّة الطويلة جدًا، فالعام 365 يومًا واليوم 5 مرّات، وهل من طفلٍ سيرفض بعد كل ذلك التدريب؟ إنه من المستحيل أن يتم العمل بكلام رسول الله طيلة تلك المدّة ثم يرفض الطفل أو يعانِد ويُجاز لوالديه ضربه".

سبب ديني

وهنا لا بد من التعرّف أكثر والوعي الدقيق بتفاصيل الدّين الإسلامي السمح الذي يراعي كل شئون البشر والطفل ونفسيته -وفق المستشارة صفوت- التي تُبيّن أن هذا سببًا ثانيًا دينيًّا سيدفع الشخص الذي يضرب طفلًا إلى الخجل من نفسِه حين يمدّ يده ويضرب.

وتؤكّد صفوت أن الضرب يكسر شخصية الطفل ويدمر نفسيته ويجعلها "خاضعة ذليلة يصاحبها الشعور بأن الطفل مكروه، ولو أنّ من يضرب قال للمضروب ألف مرةٍ أنه يحبّه فإن الطفل المضروب لن يصدّقه، ليس هذا فحسب، بل فإنه سيزيد من العناد والعصبية و"الزّنّ" بهدف استعطاف الحبّ واستجلابه، الأمر الذي سيقابله الوالدان "بالضرب" من جديد لأنهما لا يفهمان خطورة الضرب، وهكذا حتى ينشأ الطفل معقّدًا نفسيًا.

سبب نفسي

وتوضح المستشارة أن الطفل يمتلك في داخله احتياجات نفسية، وتلك الاحتياجات ينتج عنها دوافع إنسانية يترجمها الطفل لسلوك، فـمثلا "الاحتياج للطمأنينة والأمان" وغيرهما يعدّ احتياجًا نفسيًّا، و"الخوف من الضرب" يكون دافعًا، أما "الكذب" فهو النتيجة أو السلوك، إذ يكذب الطفل، فيقوم المربي –للأسف- بضربه بسبب كذبه، في حين أنه لم يلبِّ احتياجه الذي تسبب في كذبِه، وطالما يقوم المربي بالضرب على ظاهر السلوك فإن السلوك لن يتغيّر، وتبقى الدائرة تدور في نفس الخطأ الذي يدمّر نفسية الطفل وشخصيته، وهذا سبب ثالث كفيل بجعل من يضرب يخجل من نفسِه كونه سبب في تدمير الطفل.

وتبين صفوت أن الكثير من المربين يحذرون أطفالهم من أن يقوموا بتصرفٍ ما مستخدمين الحركات والكلمات والإيماءات التحذيرية المخيفة وغالبًا ما تكون الكلمات المستخدمة: "إوعة أشوفك بتعمل كذا وكذا.."، وكأنهم يقولون: "افعل التصرف والخطأ الفلاني واحذر أن أراك.."! وهذا ما يحدث بالضبط مع الطفل، فلا يفعل التصرف الخاطئ في حضرة والديه، لكنه يفعله في غيابِهما؟

وهنا يصبح الطفل مطيعًا لكل من هو أقوى منه وكل من لديهم سلطة عليه ما يعرضه للعديد من المشكلات بل ويدفعه للتعمق أكثر في الخطأ، ومنها إطاعة المتنمرين في مدرسته واتباعهم في كل ما يطلبونه، وحين يكبر ويصبح صاحب قوة وسلطة فإنه يستقوي ويفعل ما قام به الآخرون، فالضرب يغير ظاهر السلوك لكنه لا يغير القناعات –والحديث للمستشارة صفوت-.

وفي ردّها على من يسأل إن كان الضرب خاطئًا ولا يأتي بنتيجة، فكيف نعاقِب إذًا؟ تقول: "نحن لم نُخلّق لنكون معاقِبين وسجّانين، بل لنعمر في الأرض ونربي الأطفال أفضل تربية فيكونوا رحماء بأنفسهم وبوالديهم وبكل من حولهم، في حين أن هناك الكثير من الطرق التربوية للعقاب التي لا تؤذي الطفل نفسيًّا وتدمرها، سنتحدث عنها لاحقًا".