شهدت الساعات الأخيرة تطورات متلاحقة على صعيد إنجاز المصالحة الفلسطينية، لا سيما على صعيد الجهد المصري، وإعلان موافقة حماس على المبادرة المصرية التي تشمل بنودًا ذكرت في مبادرات سابقة.
أتى إعلان المبادرة المصرية، وموافقة حماس عليها، متزامناً مع حراك أمني وتصعيد عسكري إسرائيلي ضد قطاع غزة، واقترابه من حافة الهاوية التي تعني الدخول في بوابة المجهول عبر عدوان جديد لن يبقي ولن يذر، مما يفسح المجال للتفكير في حجم الدور الإسرائيلي، والتأثير الذي مورس على الجهات ذات العلاقة، وعلى رأسها مصر، لإنجاز هذه المصالحة، في حال تحققت.
لا أحد ينكر أهمية بقاء الانقسام الفلسطيني للإستراتيجية الإسرائيلية بعيدة المدى، وحجم الاستفادة منه، لكن التطورات الميدانية الأخيرة بغزة، وعدم رغبة إسرائيل بالذهاب لمواجهة غير مرغوبة هناك، يجعلها توازن بين بقاء الانقسام وما يحققه من فوائد لها بعيدة المدى على الصعيد السياسي، وبين إمكانية تدهور الوضع لحرب ضروس تجعلها تتورط في مستنقع غزة الذي غادرته قبل ثلاثة عشر عاما، ولا تريد العودة إليه.
من الصعب قراءة الجهد المصري لإنجاز المصالحة الفلسطينية بمعزل عن الحديث عن حجم العلاقة التنسيقية والتعاونية القائمة بين تل أبيب والقاهرة، وما يقوم به مبعوثو واشنطن في الزيارات المكوكية بينهما، وتدور معظمها حول تحسين الظروف الإنسانية لقطاع غزة، مع ما يحمله هذا الجهد من ترتيبات سياسية معينة، قد تتصل بإنجاز صفقة القرن، أو إيجاد تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
كما يبدو مهماً قراءة المطالب الإسرائيلية الأخيرة الداعية لإعادة قطاع غزة لسيطرة السلطة الفلسطينية، تمهيدا لتعميم نموذج الضفة الغربية في القطاع، واعتبار أن الأزمة الإنسانية بغزة يكمن حلها في رام الله والقاهرة والمجتمع الدولي، في حين أن إسرائيل لا علاقة بها، من وجهة النظر الإسرائيلية.
وبغض النظر عن نجاح المسعى المصري الإسرائيلي الدولي بإعادة غزة لسيطرة السلطة الفلسطينية أو فشله، لكنه يريح هذه الأطراف على الأقل من الصداع المزمن الذي تمثله غزة، خاصة عقب المسيرات الشعبية الأخيرة، وما تضمنته من أشكال مقاومة سلمية تكاد أن تأخذ بالجانبين لمواجهة ضارية، يهربان منها حتى الآن.
سيكون من الصعب طي هذه السطور قبل الحديث عن الشيطان الكامن في تفاصيل أي مبادرة للمصالحة، وموقف إسرائيل منها، لاسيما فيما يتعلق بسلاح المقاومة، ومآلاته، وكيفية التحكم فيه، وهي قضية كفيلة بتفجير أي مبادرة، لكن الثقل الأمريكي هذه المرة قد يكون، أقول قد، ضامنا لإنجازها، في ضوء الصورة الكلية التي ترسمها واشنطن للمنطقة.