جاء لافتا أن يعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في ختام جلسة المجلس الوزاري المصغر للشئون الأمنية والسياسية لبحث قضية التصعيد العسكري مع قطاع غزة، أن المجلس كلف الجيش بالتعامل مع ظاهرة الطائرات والبلالين الحارقة، التي يطلقها الفلسطينيون من غزة باتجاه المستوطنات الجنوبية..
لم تجر العادة، كما أعلم، أن تصدر الحكومة الإسرائيلية، المستوى السياسي الأعلى، المقرر في الدولة، مثل هذا التفويض للمستوى العسكري التابع لها كلياً، مع أنه قد يمنح المستوى العسكري امتيازا إن نجح بالقضاء على ظاهرة الطائرات، لكنه في الوقت ذاته لن يعفي الحكومة ورئيسها من أي إخفاق قد يقع به الجيش.
لا شك أن الضغوط التي تمارس على الحكومة الإسرائيلية لإيجاد حل جذري للتوتر الأمني المتصاعد في غزة، توجه بكليتها للمستوى السياسي ممثلا بالحكومة ورئيسها ووزرائها، وتأتي من المعارضة وبعض الائتلاف وجموع المستوطنين، الذين قال 44% منهم إن حماس خرجت من الجولة الأخيرة منتصرة، ويدها العليا، و60% عبروا عن عدم ثقتهم بسياسة الحكومة تجاه غزة.
لكننا نادرا ما سمعنا عن انتقادات إسرائيلية توجه للمستوى العسكري والأمني، لأن ما يحركه في التعامل مع أزمة غزة هي عوامل مهنية بحتة، تتعلق بطبيعة المواجهة وحيثياتها، بعيدا عن الاعتبارات الحزبية التي قد تستوطن عقل رئيس الحكومة، ومدى تأثر شعبيته في استطلاعات الرأي، سلبا وإيجابا.
مع العلم أن مواجهة قاسية نشبت خلال اجتماع أول أمس بين رئيس هيئة الأركان غادي آيزنكوت ووزير التعليم نفتالي بينيت، حين طالب بإلقاء قنبلة وزنها نصف طن على الأطفال الذين يطلقون الطائرات الورقية بغزة، وهو ما عارضه الجنرال المخضرم.
تفويض الحكومة الإسرائيلية للجيش للتعامل مع "بلالين غزة" هو استكمال للشعار القائل "دعوا الجيش ينتصر"، ويعني أن يمضي في عدوانه على الفلسطينيين، حتى النهاية، دون حسابات سياسية أو كوابح دولية.
اليوم، حين يعلن نتنياهو هذا التفويض للجيش للتعامل مع غزة، يعلم أكثر من سواه أن آيزنكوت، الملقب بأنه "الكلب الذي يعض ولا ينبح" بعكس وزيره ليبرمان "الذي ينبح ولا يعض"، يبدو متروياً ومتأنياً بتصعيد أي مواجهة عسكرية مع غزة، رغم إعداده الخطط العملياتية والقتالية الكاملة لأي سيناريو قاسٍ قد يضطر إليه الجيش، لكنه يبدو متفرغا لجبهات أكثر سخونة من غزة، وتحديدا في الشمال مع لبنان وسوريا.
أخيراً.. فإن تفويض نتنياهو للجيش للتعامل مع غزة هو إجراء إسرائيلي داخلي بحت مرتبط بتحميل مسئوليته عن أي تدهور أمني أو إخفاق عملياتي مع غزة، لكنه لا يغير من حقيقة أن الجنرالات في النهاية تابعون بالكلية للساسة عند اتخاذ القرارات المصيرية، وما يقرره هؤلاء سينفذه مرتدو الزي الكاكي الأخضر!