قبل بضعة أيام، كانت الابتسامات تملأ وجهي الطفلين لؤي كحيل وأمير النمرة، وهما يلتقطان صور السلفي معًا.
كم كانت السعادة تغمر الصديقين البالغين من العمر 15 عامًا، في كل رحلة ترفيهية يرافقان فيها بعضهما، ويحرصان خلالها على التقاط الصور التذكارية بهواتفهم النقالة!!.
لكن الأمر أصبح مغاير تمامًا الآن. لقد باتا خبرًا وصورة في وسائل الإعلام بعد استشهادهما إثر غارة شنها طيران الاحتلال الإسرائيلي الحربي على مبنى يقع غربي مدينة غزة.
وبذلك غيَّبت الغارة الجوية الطفلين وغابت معهما ابتساماتهم الجميلة، وأبدلتها بدماء وجثتين هامدتين، لم يعد بإمكان أصحابها التقاط السلفي مجددًا.
وفور الإعلان عن استشهادهما، تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مصورة لقصف مبنى دار الكتب الوطنية التابع لوزارة الثقافة في ساحة الكتيبة (واحدة من أهم المتنزهات في مدينة غزة)، أول من أمس.
وشوهدت أعمدة الدخان الأسود تتصاعد عاليًا بعد سلسلة انفجارات أعقبها كتل رهيبة من النيران وألسنة اللهب، جراء القنابل التي تساقطت من مقاتلات الاحتلال الحربية.
وتناثر بفعل الانفجارات التي دوى صوتها في المكان الشظايا والركام، وما إن ذهب الدخان مع الرياح، حتى أزاح عن جثتي الطفلين اللذين كانا أعلى المبنى المستهدف.
كانا مضرجين بدمائهما، وقد أنهت الغارة حلمهم بنزهة جميلة، وتسببت بقلتهم جراء استهداف مبنى خرساني مكون من عدة طوابق، وجاءت على مبانٍ مؤسسات رسمية وثقافية ومدنية.
"كان يذهبان هناك دائمًا للعب الكرة (...) لم يتوقع أحد أن نفقد ابننا فجأة وبهذه الصورة" يقول محمد النمرة، وقد طلَّ من عينيه مزيج من الألم والحسرة على فراق نجله أمير.
وترك أمير لوالديه 4 شقيقات وشقيقين كان هو بينهم "الأخ المدلل".
وهيمن الحزن تمامًا على الطفل محمد الشعراوي، وهو ينتظر دوره لإلقاء نظرة الوداع على صديقه المقرب أمير، الذي جاء محمولًا على الأكتاف من مجمع الشفاء الطبي إلى بيته في حي الصبرة، جنوبي مدينة غزة.
ويقول الشعراوي: "إن الشهيدين (لؤي وأمير) كانا صديقين إلى أبعد الحدود، لا يفارقان بعضهما، ويحبهما الجميع".
وكان الغضب يهيمن بقوة على حاملي جثمان الشهيد لؤي إلى بيته الذي يبعد أمتار عن بيت صديقه الشهيد أمير في ذات الحي السكني.
ويقول أحد الأقارب لصحيفة "فلسطين"، إن لؤي طلب من والده عشرة شواكل لشراء "الشاورما" للغداء برفقة صديقه.
غير أن مازن كحيل لم يعلم مطلقًا أن خروج نجله البكر مع صديقه، سينتهي باستشهادهما جراء القصف العنيف.
وبكى كحيل نجله بشدة، وبدا في غاية الإنهاك وهو يركض مسرعًا للحاق بجثمان الشهيد المحمول على الأكتاف، بينما كان المشيعون يصرخون ويهتفون غضبًا على فراق الطفل.
كان الأب يمسك بيد واحدًا من أبنائه الخمسة الذين رحل عنهم لؤي دون رجعة.
واجتمع جثمانا الشهيدين بجوار بضعهما في مسجد عبد الله عزام، لأداء صلاة الجنازة قبل مواراتهما الثرى، أمس. كاد نحيب والد الطفل أمير يتجاوز جدران المكان وهو يتساءل عن الذنب الذي ارتكبه ليقتل في غارة جوية، أما والد الطفل لؤي، فقد أسند ظهره إلى أحد الجدران وأخذ يبكي بحزن شديد.
سار موكب الشهيدين والكل يتأوّه ألمًا ويهتف فداءً لأمير ولؤي بعد أن قضيا حياتهما صديقين ورفيقين في الحياة، وكذلك في الموت أيضًا.
أما عائلتا الشهيدين وأصدقائهما، سيذكرون كل لحظة قضوها برفقة لؤي وأمير، قبل رحيلهما هكذا دون إذن مسبق، تاركين خلفهما ذكريات جميلة وصورًا جمعت بينهما، ومشاهد لن يمحو مرور الزمان رسومها من ذاكرتهم.