هل غريب على هذه المحكمة التي تسمى العليا أن تقرر الإفراج عن أحد قتلة دوابشة؟ وهنا لا مجال للمقارنة في طريقة تعاطي هذه المحكمة إذا كان من يقف في قفصها إسرائيليا أم عربيا؟ المسألة تختلف كليا وينقلب الحمل الوديع الباحث عن ثغرات قانونية لصالح المتهم إلى وحش مفترس يأخذ بكل ما يدين الفلسطيني، ولقد عهدنا هذه المحكمة في الاعتقال الإداري، حيث كان المعتقل قد خاض غمار محكمة تسمى محكمة تثبيت الحكم، أي يأتي رجال القضاء ليثبتوا ما حكم به رجال المخابرات.. يأخذون بما ورد في التقرير السري ثم يستأنف المعتقل إلى محكمة الاستئناف فيجدها أشد حرصا وصدقا بما ورد في التقرير السري، فلك أن تتصور محكمة لا يطلع المتهم فيها على تهمته وكذلك محاميه لا يطلعونه على ما ورد في التقرير السري!!
ثم يذهب المعتقل إن أراد أن يرى فحش القضاء إلى ما تسمي نفسها المحكمة العليا، ليجد مرة ثالثة أن هذه المحكمة أيضا تحاكم على تقرير سري ونجدها في آلاف القضايا قد سجلت في ملفها الأسود التعاطي مع الملف السري عينك عينك.. الاعتقال الإداري يسجل اختراقا صارخا لهذه المحكمة لكل قواعد القضاء المتعارف عليها عالميا.
وفي موضوع دوابشة ومن قبله الجندي "أليئور أزاريا" قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف الذي افتضح أمره بعد نشر الشريط المصور وقد ادعت سلطات الاحتلال في البداية أن الشهيد الشريف قتل أثناء محاولة تنفيذ عملية إرهابية، لكنّ شريطاً موثقاً صوره ناشط فلسطيني من مدينة الخليل يعمل مع منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، أظهر الجندي القاتل وهو يعطي خوذته لجندي يقف إلى جواره، ثم يوجه سلاحه باتجاه الشريف ويطلق رصاصة باتجاه الرأس، وهو يقول يجب أن يموت. وبعد أن ظهرت البينات بكل وضوح ودقة حولت المحكمة العليا القضية من قتل عمد إلى مجرد جندي يتصرف مخالفا للصلاحيات .
والأمثلة على جنوح هذه المحكمة أكثر من أن تعد أو تحصى، وهي الآن بما تفعله من تبرئة لأحد قتلة دوابشة تسير على ديدنها في التعامل مع القضايا التي يكون الفلسطيني أحد أطرافها، تميل كل الميل على الفلسطيني، تكون كوحش مفترس إذا التفتت إليه بينما هي الحمل الوديع إذا نظرت للإسرائيلي، سرعان ما تشيطن الفلسطيني وتقدس إنسانها وتبرئ ساحته بكل ما أوتيت من خبث ودهاء.