ما تنفك وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تقديم أشبه ما يكون بتقرير يومي عن سلسلة الحرائق التي تتسبب بها الطائرات الورقية التي يرسلها الفلسطينيون من حدود قطاع غزة باتجاه الحقول الزراعية في المستوطنات الجنوبية.
ولئن مضى على إطلاق هذه الطائرات المائة يوم الأولى فإن الإسرائيليين أصدروا ما قالوا أنه "حصاد النيران" الذي تسفر عنه طائرات الفلسطينيين، سواء من الناحية الرقمية الإحصائية، حول حجم الخسائر المالية "المتواضعة" ، أو المساحات الزراعية الواسعة التي تشتعل فيها النيران، فضلا عن الأضرار النفسية والمعنوية التي يصاب بها المستوطنون على حدود غزة.
اللافت أن موضوع الطائرات بات يسيطر على النقاش الحزبي والسياسي الإسرائيلي، بل إن بعض نواب الكنيست وزعماء المعارضة باتوا "يحجون" إلى غلاف غزة، ويقومون بأنفسهم بإطفاء الحرائق، وأخذ صور تذكارية، سيأتي يوم الانتفاع بها حين البدء بالحملات الانتخابية، وخلال ذلك يصبون جام غضبهم على رئيس الحكومة، ويتهمونه بالعجز والفشل في وقف هذه الطائرات، التي قد تحمل يوما ما قنابل حارقة أو مواد أكثر اشتعالا ومتفجرة.
أكثر من ذلك، ففي ظل توقف إطلاق القذائف الصاروخية محلية الصنع من غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، باتت الحقول الزراعية المحترقة محطة أساسية في زيارة أي مسئول أجنبي إلى إسرائيل، يظهرون أمامه كيف أن هؤلاء الغزيين يهددون إسرائيل، ويضربون موسمهم الزراعي، ويتسببون لهم بأضرار اقتصادية كبيرة، مع أن لغة الأرقام تدحض هذه المزاعم.
صحيح أن الطائرات الورقية المشتعلة يمكن إدراجها تحت بند المقاومة الشعبية، على اعتبار أن "كل ما هو دون الرصاص فهو مقاومة سلمية"، لكن من الأهمية بمكان قراءة السلوك الإسرائيلي جيدا في التعامل مع هذا الأسلوب المتواضع من المقاومة الشعبية.
هذه "الجمهرة" الإسرائيلية من الطائرات الورقية تطرح أسئلة عديدة، بلغة الواقع وليس العاطفة: هل أن إسرائيل هذه التي تهب لمساعدة دول في أقصى حدود الكرة الأرضية لإطفاء حرائقها عاجزة عن التعامل مع الطائرات الورقية الفلسطينية؟ وكيف يمكن لدولة تقول إنها تواجه عدو جبهات قتالية في الآن نفسه، وقد تتعرض لآلاف الهجمات الصاروخية في اليوم الواحد، أن تقف مكتوفة الأيدي أمام طائرات يطلقها فتيان صغار، ولماذا يسمح نتنياهو لهذه الطائرات بأن تنتقص من اللقب المحبب إليه "رجل الأمن"، ليصبح وصفه "رجل الميكروفون"، لأنه يهدد ويهدد دون جدوى؟
هذه الأسئلة يطرحها كاتب السطور من باب التفكير بصوت عالٍ، كي نقرأ بصورة هادئة ما قد يقف خلف التضخيم الإسرائيلي للطائرات الورقية، مع علمنا الأكيد أن كل كيان وجيش، مهما كان كبيرا، فقد يكون له نقاط ضعف، يمكن التسلل من خلالها، لكن المبالغة الإسرائيلية تعيد من جديد طرح السؤال: هل هو عجز حقيقي أم مفتعل؟