لا يمضي يوم دون أن يذكر الإعلام الإسرائيلي خبرًا أو تقريرًا أو تصريحًا حول حركة المقاطعة العالمية بي دي أس، مما يفسر أنها باتت جبهة جديدة تضاف لجبهات القتال التي تستنزف منها جهدا وفعلا كبيرين بمختلف المجالات: بدءاً بالإعلامية والدعائية، مرورا بالسياسية والدبلوماسية، وصولا للمالية والاقتصادية، وانتهاء بالأمنية والاستخبارية.
آخر الأخبار المقلقة لـ(إسرائيل) المتعلقة بحركة المقاطعة، التصويت الذي أجراه مجلس الشيوخ الإيرلندي في الساعات الأخيرة على مشروع قانون ينص على منع استيراد وبيع منتجات وخدمات وبضائع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، تمهيدا للمصادقة عليه.
يبدو السؤال مشروعا: ألا تبالغ (إسرائيل) في إبداء مخاوفها من هذه الحركة وفعالياتها السلمية البحتة، أمام دولة تتمتع بإمكانيات وقدرات هائلة، أم أن الأمر مقلق فعلا لها، لدرجة أنها أنشأت وزارة الشئون الإستراتيجية، وتسن من أجلها القوانين والتشريعات، وتتبادل لمكافحتها المعلومات الأمنية والاستخبارية مع أجهزة أمنية حول العالم.
أزعم، وليس كل الزعم إثمًا، أن البي دي أس، باتت تضاف للتهديدات الجدية التي تشكل مصدر قلق لدوائر صنع القرار الإسرائيلي، ولئن كنا قد نختلف معهم حول مدى خطورة هذا التهديد، وحجمه، وإمكانياته، لكن الاتفاق بيننا أنها حركة خطرة ومقلقة ومستفزة لـ(إسرائيل)، لأكثر من سبب وعامل.
فقد ظهرت حركة المقاطعة بصورة غير متوقعة، أربكت حسابات (إسرائيل)، وجعلتها أمام مواجهة من نوع جديد، دامية بدون رصاص، ومستنزفة بدون دماء، تنشط فيها العقول والأدمغة، وتشتغل لمواجهتها شاشات التلفاز والأسواق التجارية، فيما تحيد أكبر آلة وترسانة عسكرية في المنطقة، لأنها أصبحت معطلة ومشلولة..
كما أن مجيء حركة المقاطعة ونشاطها المتلاحق من مناطق مفاجئة، لاسيما في القارتين الأمريكية والأوروبية، اعتقدت (إسرائيل) أنها حديقتها الخلفية، تجعلها تخسر أصدقاءها، أو بعضهم، في ظل تراجع حججهم المدافعة عن سياستها في الأراضي الفلسطينية، وتقوي المنطق الذي يتسلح به نشطاء المقاطعة من الفلسطينيين والأوروبيين والأمريكيين.
لمزيد من الموضوعية يمكن القول: إن النشاط المتزايد لحركة المقاطعة، يتركز في شقه غير الحكومي والأهلي والفردي، ويصل في بعض الأحيان للبرلمانات والبلديات والمجالس المحلية، وفي أحايين قليلة لأوساط الحكومات والوزارات.
أخيرًا.. تخطئ (إسرائيل) حين تنفق كل إمكانياتها، وتستنجد بكل أصدقائها، وتشغل كل أجهزتها الأمنية لملاحقة هذا الناشط أو ذاك، ووقف هذه الفعالية أو تلك، مما تنظمه حركة المقاطعة، فيما تستمر في احتلالها للأراضي الفلسطينية، وتفرض حصارها على قطاع غزة، وتواصل استيطانها في الضفة الغربية، وتدنس الحرم القدسي الشريف..
كل هذه الممارسات وغيرها توفر لحركة المقاطعة ونشطائها الذخيرة الحية التي تطلقها على (إسرائيل)، فتطيح بها ضربة بعد أخرى، في ظل مشاهد القتل والتجويع التي يعانيها الفلسطينيون بفعل السياسة الإسرائيلية.