تبدي الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية ارتياحها العلني من بقاء الانقسام الفلسطيني يضرب أطنابه في عصب المشهد السياسي، مبقيا على حالة الفصام النكد بين أشقاء الوطن الواحد، ويظهر مدى الاستفادة الإسرائيلية من سنواته، لتجسيد مزاعمها بأن الفلسطينيين لا يستحقون دولة في ظل عدم قدرتهم على الخروج بخطاب فلسطيني موحد تجاه العالم.
ولئن كانت مسئولية إنهاء هذا الانقسام جماعية، لكن وجود من ترى نفسها قيادة الشعب الفلسطيني ممثلة بمنظمة التحرير يضع عليها العبء الأكبر في تجاوز العقبات الكأداء التي تعترض إتمامه، فضلا عن عدم وضعها هي لهذه العراقيل التي تعمل على تأبيد الانقسام، وما علمت هذه القيادة أنها تقدم، بقصد ودون قصد، خدمات مجانية للمحتل الإسرائيلي، ليبقي على تعامله مع الفلسطينيين، مع الضفة الغربية بالجزرة والترغيب، ومع قطاع غزة بالعصا والترهيب.
طيلة سنوات هذا الانقسام وقفت إسرائيل بالمرصاد لأي جهد محلي وعربي ودولي لإغلاق صفحته، وجعله من الماضي الذي "ينذكر ولا ينعاد"، سواء بإعلان الاشتراطات العلنية، بلسانها أو ممثليها في الأسرة الدولية، بأن أي مصالحة لابد أن يسبقها كذا وكذا وكذا، تتعلق بإرغام جميع الفلسطينيين على الاعتراف بها، وتسليم سلاح المقاومة، ورفض الإجراءات الإدارية خلال السنوات الماضية بغزة، وكأنه إخضاع طرف لآخر، أو اتفاق لرفع الراية البيضاء.
أسفرت كل هذه الإعلانات الإسرائيلية، ومعها بعض الفلسطينية والعربية والدولية، عن عدم نجاح المحاولات السابقة لإنجاح المصالحة، واليوم تتجدد الدعوة المصرية للأشقاء الفلسطينيين بفتح صفحة جديدة من حوارات سابقة، صحيح أن الآمال المعقودة على نجاح هذه الجولة ليست كبيرة، فقد تشبث بنا التشاؤم حتى أغلق أمامنا أي بصيص أمل من التفاؤل، لكنها تبقى محاولة مصرية يصعب رفضها.
تقف إسرائيل اليوم، كما سابقا، وإن من طرف خفي، ذات الموقف من الجهود المصرية الجديدة لاستئناف المصالحة، وسيصعب عليها التراجع عن اشتراطاتها السابقة، وإن جاءت بلسان عربي مبين، مما يتطلب من الراعي المصري، وخلفه الجامعة العربية، فضلا عن السلطة الفلسطينية ألا تتمترس كثيرا خلف ذات المطالب من حماس: البرنامج السياسي، سلاح المقاومة، رفض الاعتراف بالموظفين، وإلا فإن الفشل المتجدد للأسف سيصاحب هذه الجولة من المباحثات مبكرا..
أخيراً...إن كانت التحذيرات الفلسطينية من صفقة القرن تعتمد على قيامها أساساً على دولة غزة، فإن من واجب القيادة الفلسطينية أن تكون أكثر حرصا من غيرها بتفويت الفرصة على نجاح الصفقة، كيف؟ من خلال رفع عقوباتها عن غزة، ومغادرة محاولاتها الإخضاعية الفاشلة، وتوحيد شملها مع الضفة، باعتبارهما توأمين لا يجب فصلهما، وجزءًا أساسيًا من وطن كبير محتل، وإلا فإن من يرفض إنجاح هذه الجولة من المصالحة سيكون شريكا بالصفقة، ولو أطلق عليها أبشع الأوصاف!