كثير من الحبر الإسرائيلي سال في الأسابيع الماضية بالحديث عن الخليفة المحتمل لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في ظل تردي وضعه الصحي.
وبعيدا عن تدهور حالته الصحية، تعتقد (إسرائيل) أن عهده السياسي يقترب من طي صفحته، سواء بسبب الناحية العمرية الطبيعية، أو ما يبدو أنها قطيعة سياسية يعيشها مع تل أبيب وواشنطن، مما يعني انشغال دوائر صنع القرار الإسرائيلي المختلفة: السياسية والأمنية والعسكرية، بالتحضيرات الجارية لما يعرف بـ"اليوم التالي" لغياب عباس.
من الأهمية بمكان تقرير حقيقة يتفق عليها الفلسطينيون والإسرائيليون في آن معاً، وهي أن السنوات التي حكم فيها عباس السلطة الفلسطينية منذ عام 2005، شهدت فيها الضفة الغربية استقرارا أمنياً، وهدوءا ميدانيا، لم تنعم به (إسرائيل) منذ عقود طويلة.
ورغم توقف المفاوضات بين الجانبين، وصدور التصريحات والتصريحات المضادة، بين رام الله وتل أبيب، لكن الضباط الأمنيين في الميدان من الجانبين يواصلون اتصالاتهم، وينظمون دورياتهم المشتركة، تحت عنوان "التنسيق الأمني"، ولا يخفي كبار الساسة الإسرائيليين رضاهم عنه، رغم اختلافهم مع عباس سياسياً.
استكمالا لهذه الفرضية، لا ينشغل الإسرائيليون كثيرا بهوية الخليفة المتوقع لعباس، بقدر تأكيدهم أن يكون حاملا لذات الإصرار بالحفاظ على أمنهم بالضفة الغربية، سواء كان من الحلقة الضيقة بعباس من اللجنة المركزية لفتح، أو بعض كبار الضباط، أو من سيدخل على بازار الترشيحات المفاجئة من خارج الوسط السياسي والحزبي الفلسطيني.
صحيح أن أي مرشح يرى في نفسه الأهلية والكفاءة لخلافة عباس سيضطر "مكرها" لرفع نبرته التصعيدية ضد إسرائيل، ليحصّل المزيد من الأصوات والتأييد داخل الحلبة السياسية والحزبية الفلسطينية، لكنه سيكون في الوقت ذاته ملزما بالحصول على الكلمة المفتاحية لنيل الموافقة الإسرائيلية عليه، وهي البوابة الأمنية، فقد بات ذلك من طبائع الأشياء في المنظومة الفلسطينية الحاكمة في الضفة الغربية.
لا يتعلق الأمر بالتشكيك بمرشح بعينه، أو توجيه الاتهام لآخر، لكن التركيبة الإدارية والأمنية والمالية في السلطة الفلسطينية جعلت الحبل السري لأي قيادة هناك مرتبطة عضوياً بصانع القرار الإسرائيلي، أمنياً على الأقل.
مع العلم أن إسرائيل لا يبدو أنها تتمترس خلف مرشح بعينه ليكون الرئيس القادم للسلطة، فقد تصل الأمور لحالة من التدهور الأمني أو الاحتراب الداخلي بين المرشحين المفترضين، إن لم يتفقوا على صيغة مفترضة لتوزيع المهام.
في هذه الحالة، قد تقبل إسرائيل بالتعامل الأمني مع كل مسئول فلسطيني في منطقة معينة بالضفة الغربية على حدة، حفاظا على أمنها الذي لن تتنازل عنه، وقد تجد تجاوبا من هذا المرشح أو ذاك، مما يضع مسئولية كبيرة حول القوى الفلسطينية الحية التي لا يجب أن تبقى متفرجة على ما سيحصل في قادم الأيام.