الخليج الإماراتية
في رحلة جديدة يتكبدون فيها المزيد من الدماء الزكية، يروون بها أرضهم مُعلنين أن لفلسطين رجالًا وهبوا الروح والولد والأهل فداء وتضحية في سبيل نيل حقوقهم والدفاع عن كرامتهم، دون أن تفتر عزيمتهم، ولو لحظة، ضاربين أروع الأمثلة في تحدي صلف احتلال ينتهك كل القرارات الدولية، ولا يكترث بحالات إنسانية، ويحاول سترها بدعايات كاذبة من ديمقراطية وغيرها من الأكاذيب التي يروّجها.
لكن الشعب الفلسطيني الذي خرج في الجمعة الـ14 يفضح كذبه، فالفلسطينيون منذ الجمعة الأولى أعلنوا أن مسيراتهم سلمية، لكن الاحتلال وجدها مناسبة لمواصلة لعبة القتل، مرتكبًا جرائم طالت الكل الفلسطيني، دون أن تستثني فتاة أو عاجزًا، كونهم يطالبون بحقوقهم في أرض آبائهم وأجدادهم.
ظن المحتل الإسرائيلي صاحب النظرية القديمة الحديثة أن "الأجداد والآباء ماتوا وأن الأبناء سينسون" أن الفلسطينيين لابد أن يسأموا مقارعته، ولابد أنهم حينما يرون فلذات أكبادهم تتساقط أمام أعينهم سيذعنون، مقدمين له فروض الطاعة، ومستسلمين لصفقته المشؤومة، لكن هيهات ممن قارع الاحتلال سنوات أن تثبط همته أو تخور عزيمته؛ فالشعب الفلسطيني يأبى أن يرضخ في الضفة، أو غزة، أو الشتات حيث يأمل عودة قريبة إلى أرض آبائه وأجداده.
لذا خرج الفلسطينيون في جمعة تؤكد وحدة المكون الفلسطيني على المستوى الشعبي في جمعة "من غزة إلى الضفة وحدة دم ومصير مشترك"، ليوصلوا رسالتين: أولاهما أنه لا طائل من التهديد والإجرام اللذين ترتكبهما الحماقة الإسرائيلية، وأنه كلما أكثرتم قتلًا ودمارًا ازددنا إصرارًا على أننا أصحاب حق لا يموت، وأن ما أخذتموه بالقوة وبوعود من دول لا تملك الأرض منحتكم إياها وأنتم لا تستحقونها سنسترده، سواء أطال الزمن أم قصُر.
وثانيتهما الرسالة التي يوجهها الشعب المتوحد على اختلاف توجهاته، للقيادات الفلسطينية على اختلاف مسمياتها، أن التنازع على سلطة ليست موجودة على أرض الواقع هو ضرب من الخيال، وأن الخلاف بين حركتي فتح وحماس ليس وليد الساعة، فهو خلاف يمتد إلى ما يزيد على عشر سنوات، فلماذا يؤجج في هذه المرحلة الصعبة؟!، وأن البوصلة الفلسطينية التي يمتلكها قادة الفصائل لابد أن تتوافق هي وبوصلة الشعب، وإلا فستختلف الوجهة، وعندها سيكون هنالك شرخ كبير بين القيادات والشعب الفلسطيني.
فلسطين اليوم في مرحلة صعبة جدًّا، فهي من ناحية تقاسي مرارة احتلال مجرم بلا قيم ولا ذمة، يقتل حتى الجنين في رحم أمه، ومن ناحية أخرى لم تعد قضية مركزية في ظل وضع عربي تشوبه تعقيدات وأزمات عدة، لذا الزند الفلسطيني وحده القادر على الدفاع عن أرضه، شريطة أن تتوافر له الإمكانات التي تدعم صموده، ومن أبرزها التوافق الفلسطيني الداخلي وتأمين مقومات الحياة، فهو يقف في وجه آلة الإجرام عاري الصدر، لأنه على ثقة بأن أهله في الضفة والقطاع سيحمون ظهره.