تأخذنا المشاعر الشخصية لنأخذ بأحضاننا من يبدي أي إيجابية ولو كانت شكلية، الأمير البريطاني وليام والقصر الملكي كله لا علاقة له بالحكم في بريطانيا إلا للمسائل التشريفية، هكذا دأبت بريطانيا على عزل القصر الملكي بعيدًا عن دهاليز السياسة، فلا علاقة للمواقف الشخصية أو المشاعر القلبية لهذا الأمير بالسياسة البريطانية لا من قريب ولا من بعيد، السياسيون هناك يحتفلون ببلفور الذي وعد ثم قامت حكومته بتنفيذ هذا الوعد بالكمال والتمام، (كما يفعل اليوم ترامب في الوعد بنقل السفارة ثم تنفيذ هذا الوعد ثم التحضير لصفقة سياسية بوصفة إسرائيلية متطرفة). إذًا ما الذي سينالنا من هذا الأمير سوى الابتسامة والكلام الطيب الذي لا علاقة له بمواقف دولته.
وهذا إن دل فإنما يدل على منهجية التعامل الغربي مع العرب، يعطوننا كلاما جميلا ومعسولا بينما أفعالهم ومواقفهم ذات الأثر العملي سنجدها حتما مع أعدائنا، وعلى ذلك شواهد كثيرة منها مثلا موقفهم الرسمي هذه الأيام من وعد بلفور المشؤوم، ومنها تماهيهم الكامل مع العدوان الأمريكي السافر على العراق، والدارس لمسار التعامل مع القضية الفلسطينية تاريخيا لا يجد سوى دبلوماسية الكلام، بينما السياسات الفعلية ذات الأثر الملموس نجدها مع الاحتلال. ونجد هناك مثلا مواقف خجولة من الاستيطان ولكن لا ينتج عنها أي مردود سياسي يحسب لصالح القضية الفلسطينية.
آن الأوان أن نطالب من يسمعنا الكلام بلا رصيد أن يكف عن هذا، وأن نعلمه بأن كلامهم الجميل لم يعد مقبولا وأننا ننظر إلى أفعالهم بغض النظر عن أقوالهم، وأننا بحاجة لموقف صانع القرار، وأن من لا يملك قرارًا في بلده لا حاجة لنا به.
وهنا لا بد من التساؤل: هل وجد من يشرح له دور بريطانيا في صناعة المأساة الفلسطينية وأن احتلال فلسطين وما جرى على أرضها من مجازر وتطهير عرقي حصل وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، وأنه لولا تسهيلات بريطانيا لهذه العصابات وتسليحها وغض الطرف عن جرائمها لما حصل ما حصل، وان وعد بلفور هو غيض من فيض السياسة البريطانية التي مالت كل الميل مع الحركة الصهيونية. وهنا لا بد من التذكير بأن ألمانيا دفعت أموالا طائلة وما زالت تدفع لدولة الاحتلال كتعويض عن الهولوكوست وما تسببت فيه من معاناةلليهود أيام الحكم النازي.. لماذا لا تطالب بريطانيا بمثل هذا عن المأساة التي سببتها للشعب الفلسطيني أيام حكمهم؟ لنري فاتورة الدمار والنكبة والمجازر والتي ما زالت مستمرة لهذا اليوم، للذي جاءنا بثياب الحمل الوديع ولنطالبه بمواقف حقيقية بعيدًا عن ابتسامة الثعلب بينما حكومته تقف ذئبا متربصا بنا الدوائر.