المشابهة كبيرة بين حياة النحل الجماعية ضمن خلية، لا تعطي إلا العسل، وبين حياة الإنسان ضمن نظام اجتماعي يحفظ حياة الفرد وحقوق المجتمع.
في حياة النحل، لا تتأخر نحلة في الدفاع عن الخلية، يخرج النحل المدافع، فيهاجم كل من يحاول الاقتراب من الخلية، وتكون الأوامر قد صدرت من الملكة للمدافعين بالتضحية بالنفس إن استوجب الأمر، بل والموت دفاعًا عن الخلية، وفي حالة الدفاع عن الوطن لا تجد نحلة واحدة عميلة للغزاة، تقول لأخواتها من المدافعين: ما لنا بالعدو حيلة، ولا داعي لموت مئات النحل من أجل الدفاع عن حفنة من العسل، ولا تجد نحلة صغيرة تقول: لنهرب أيها النحل من هذا المكان الخطير، لنفتش لنا عن خلية جديدة، أو لنترك الغزاة يأكلون العسل، وننسق معهم أمنيًا، ونكتفي بما فاض عن حاجتهم من أرضنا وعسلنا، لا تجد في عالم النحل نحلة واحدة جبانة تقول: وماذا سأستفيد أنا إذا ضحيت بنفسي في سبيل الدفاع عن هذه الخلية؟ بالعكس من ذلك، يتسابق النحل في الدفاع عن أرضه وبيته دون تردد، ودون التفكير بالنتائج الشخصية، هو يضحي مقتنعًا بحقه في الحياة كخلية نحل، وفكرة بقاء على قيد الحياة، وما التضحية بالنفس إلا دفاعًا عن صغار النحل، وعن مصادر الرزق، وعن أمن الخلية واستقرارها الذي لا يتحقق إلا بتماسك النحل في الدفاع، والتضحية بالبعض العزيز من أجل الحفاظ الكل.
وفي خليتنا الفلسطينية، ظل الدفاع عن الوطن هو مقياس الانتماء، ولم يحصل إن دار أي نقاش يشكك في جدوى الدفاع عن الوطن، ولم يحدث أن تداول الناس حديثًا يطعن في سريرة التضحية بالنفس إلا في هذه الفترة المنحطة من التاريخ العربي، والذي صار فيه الوطني حيرانًا بين مواجهة العدو الإسرائيلي وبين صد الطعنات التي تمزق ظهره بسياط الشك، وسكاكين اللمز عن مصالح حزبية من وراء الدفاع عن الخلية، وتقديم الدم رخيصًا، والجود بالروح بلا تردد.
مقاومة المحتلين عمل وطني بالكامل، وكل متشكك بأي عمل وطني، وبأي مواجهة مع الأعداء هو ليس وطنيًا، وإنما هو مشبوه لا يخدم إلا أعداء الشعب الفلسطيني وقضيته، والمقاومة للمحتلين تأخذ شكل الحجر في يد طفل، وقد تكون على هيئة خنجر في يد شاب فلسطيني، وقد تكون المقاومة صرخة امرأة في دجى الخذلان: الله أكبر، وقد تكون المقاومة بالكلمة، أو بالحشود الرافضة للاحتلال، أو من خلال مسيرات العودة المطالبة بالحقوق التاريخية، أو من خلال اقتحام مستوطنة الأعداء، أو قصفها بصاروخ للمقاومة، أو مواجهة مسلحة مع جيش المحتلين.
فإذا كانت القوانين الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أجازت للشعب الواقع تحت الاحتلال أن يقاوم المحتلين بكل السبل، فكيف يخرج من بين أبناء الشعب الفلسطيني من يشكك بالمقاومة، بل هنالك من يمنع المقاومة بالقوة، وهنالك من يشوه المسار، ويخالف المعيار، فيبرئ العدو الذي يبطش ويقتل المدنيين، فيتهم الجهات المحركة للعمل المقاوم بأنها تدفع الناس للهلاك والموت! هذا التشويه المتعمد لمعاني المقاومة والنضال عمل مشبوه بالكامل، ولا تمارسه نحلة وطنية تنتمي إلى الخلية، وتدافع عن بقائها بالغريزة.
إن التشويه على المقاومة والمقاومين، والطعن في جدوى التضحية في مسيرات العودة، عمل لا يقف من خلفه إلا الصهاينة، الذين اعترفوا بلسان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بأنهم يخوضون حربًا إعلامية ضد مسيرات العودة، وأنهم يوظفون لذلك عشرات العملاء من الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
في خلية النحل لا تجد نحلة واحدة عميلة، تسلم عدو الخلية ما تم جمعه من العسل، مقابل حفنة عسل مغمسة بالذل، يلقيها إليها بتقزز العدو الذي اغتصب الخلية، وشتت شمل الجماعة.