بداية لا أعمم كي لا يأتي أحد ويقول بأن هناك مدارس خاصة فيها نعيم مقيم .. على الغالب هي نار حامية يكتوي بنارها مدرسوها وسياطها تلهب ظهورهم للمزيد من الجهد والعرق والخوف والهلع .. وهذا ناتج من دوافع التعليم فيها : هل هي تربوية أم تجارية ، اقصد هل تبغي الربح المادي أم القيام بالرسالة التعليمية التربوية ؟ واضح أنها اصبحت مشروعا تجاريا مربحا ، لذلك لا بد من زيادة الدخل وتقليص النفقات الى أبعد حد ، فترفع الاقساط على الطلاب وأول ما يبدؤون به من خفض النفقات هو الحلقة الاضعف عندهم وهو المعلم ، ذلك بأنهم يدركون حجم البطالة في هذه المهنة وان من تأتيه الفرصة سيكون حريصا عليها ولن يفلتها من يده مهما سحق ومهما سرق من تعبه وعرق جبينه .. لذلك نجد من المدارس من يتفنن في هذا فتراه :
•ينزل براتبه عن الحد الادنى في الاجور وحتى يحمي ظهره يعمل العقد على ما هو أعلى وفي الواقع يعطيه المتفق عليه شفويا هذا ان تفضل عليه بعمل عقد .. هناك من المدرسين من ينتهي العام الدراسي دون عقد ( الله وكيلك ) .
•وغالبا ما تكون عندهم نية مسبقة باستبداله باخر من الخريجين الجدد حتى لا يصحو هذا المعلم المغبون من سكرته فيأتي مطالبا بحقه .. قبل أن يصحو يكون قد استبدل باخر ، والحجة جاهزة انه لم يكن كما يجب في التقييم ، لعبة اصبحت مكشوفة يتم تدمير المعلم نفسيا وماديا فقط من اجل المزيد من الربح واستغلال هذه الشريحة التي اضطرتها الحاجة والبطالة للقبول بهذه الشروط والظروف المجحفة .
•طبعا ينهي عقده مع بدء العطلة الصيفية كي تتنصل المدرسة من راتبه عن شهور الصيف ، وهناك من يضع قوانين خاصة بمدرسته : انه مثلا لا ياخذ راتب العطلة الصيفية الا بعد ثلاث او اربع او خمس سنوات .. فيضطر المعلم للعمل في ورشات العمل صيفا او ان يبيع الاحذية على الرصيف وهو يسب ويلعن انه تعلم ليكون معلما ومربيا للأجيال في يوم من الايام ، ومنهم من يعمل في الداخل المحتل عاملا بيومية تعادل عمل اسبوع في المدرسة فيحلف بطلاق بائن بينونة كبرى على هذه المهنة او العودة لهذه المدارس .
•ولقد جاءنا من اخبار هذه المدارس العتيدة ذات الحكم الرشيد والامر المهيب وذات العراقة والصيت الحسن المجيد بان لديهم ما يزيد عن المائة معلم دون ان يكون لهم تامين صحي !!! قد تتمتع ادارتهم بمهارات فائقة في وضع المعلمين في اجواء صحية بعيدة عن اي ضغط او كرب وتحقق لهم عيشا ملائكيا يحميهم من الاصابة بالامراض ، لذلك فانها تنفق كثيرا على الوقاية من المرض فلا يمرض مدرسوها وبالتالي لا يحتاجون الى التامين الصحي حيث انه بدعة سيئة ورجس ينبغي ان تترفع المدرسة عنه .. الله اكبر الا يكفي راتب مسحوق ثم اذا مرض المدرس قبل منتصف الشهر وجد ما يدفع من بقايا راتبه اما اذا مرض هو او احد افراد عائلته بعد منتصف الشهر فليس له الا ان يستدين او يتحامل على نفسه الى نهاية الشهر .. مدرسونا الافاضل عليكم ان لا تمرضوا الا في الايام الاولى من الشهر وعليكم بالامراض الخفيفة التي يحسم امرها الصيدلي ولا تضطركم لزيارة الطبيب ، فاما كشفية الطبيب او ثمن الدواء اما الجمع بين الامرين فهذا ترف ما بعده ترف .
•اتعاب المعلم المطرود والمفصول قبل ان يكمل عامه لاستبداله باخر تحسب على داير مليم ، يضرب الراتب في تسعة ويقسم على اثني عشر ، لانه ليس له حق في العطلة الصيفية وبالتالي تكون الحسبة بهذا الشكل .. خسارة فيه راتب شهر عن كل سنة ..
•وهناك تفاوت كبير بين مدرس وآخر بحجج كثيرة ما انزل الله بها من سلطان ، هناك معلم سوبر وهناك عادي وهناك مسحوق غسيل .
•وجيد ان ننوه بان نقابة معلمي المدارس الخاصة قد تم شطبها وانزالها عن الخط منذ زمن بعيد ، فاصبح مدرسوها لا بواكي لهم ولا نصير ولا صوت يعلو فوق صوت الربح والتجارة في هذه المتاجر الرائعة .
•حديثنا غيض من فيض عن المدرسين أما المدرسات حيث نسبة البطالة أعلى والبنت لا مفر لها من ان تذهب للعمل هناك ولا الهجرة من البلد ، عملية السحق على المدرسات أعلى واجل ، هناك من يعملن بصمت في رياض أطفال براتب سبعمائة شيكل ، أرباب هذه المدارس يعرفون ان البنت تقارن بين العمل او القعدة في البيت ، ويعلمون تماما بان الخريجة الجديدة بحاجة الى شهادة الخبرة وهم خير من يستغل هذه المعرفة ..
وهناك ما هو ابشع من هذه النقاط اذ سالت مدرسة عن سبب تخليها عن هذه المهنة ؟ كنت اعلم انها تحمل في صدرها رسالة العلم وبناء الجيل ولا يهمها الراتب ، اجابت بان ما هو اخطر من الراتب والاستغلال البشع طريقة المعاملة ، انهم يتفننون في اهانة المعلم ويشعرونه على مدار العام بانه بحاجة اليهم بينما هم لديهم القوائم الطويلة من طلبات التوظيف .
كل هذا وغير هذا نتيجته واحدة هو الضرر الحاصل على ابنائنا أذ أنى لعبودية بهذا الشكل ان تصنع أحرارا ، كيف سيدرس عن الحرية والكرامة والشرف والعزة والقوة والعفة ومقاومة الظلم والمجد والسؤدد والروح العالية وكل ذلك عنده يُمسح به الارض ؟؟
وثاني النتائج هو هذه الهجرة الصامتة من هذه الوظيفة او للعمل هناك حيث يجد نفسه ماديا ومعيشيا فيضطر للتنازل معنويا بعمله عند اعدائه ، او يهاجر كليا من الوطن دون رجعة .. اعداؤنا يوفرون لناسهم كل ظروف ومواصفات البقاء في وطن مغتصب بينما نحن اصحاب الوطن نوفر كل الظروف والمواصفات التي تدفع للهجرة من الوطن ؟!
خلاصة الامر المدرسون في المدارس الخاصة يطالبون ان يعاملوا بكرامة وان يحسن راتبهم بما يمكنهم من العيش بكرامة وهم لا يطالبون بان يقارنوا بالمعلم في فنلندا او السويد والنرويج ، وانما ان يقارنوا بمعلمي الحكومة والوكالة على اقل تقدير ممكن .