انسحبت حركة "فتح" قبل عدة أسابيع من اللجنة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار، المؤلفة من الأطر والمرجعيات السياسية الفلسطينية كافة، تاركة بانسحابها تساؤلات حائرة حول الأسباب الحقيقية التي دفعتها للانسحاب، ورفض العودة مرة أخرى للمسيرة، رغم كون الأخيرة سلمية وضمن ما تتبناه الحركة وترفعه شعارًا لها لاسترجاع الحقوق الفلسطينية.
وبدأت مسيرة العودة في الـ30 من مارس/ آذار الماضي، في ظل مشاركة شعبية واسعة قرب السياج الفاصل بين شرق قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، رافعة شعاري تحقيق العودة وكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
وعللت حركة "فتح" في تصريحات سابقة انسحابها بالقول إن مسيرة العودة بالنسبة لها قد انتهت في 15 مايو/ أيار الماضي، والذي وافق الذكرى 70 للنكبة الفلسطينية، غير أن المسيرة ما زالت مستمرة بمؤازرة ودعم الفصائل الأخرى.
مشاركة شكلية
ويقول الكاتب والمحلل السياسي محمود العجرمي إن دخول حركة فتح منذ البداية في مسيرات العودة لم يكن سوى "مشاركة شكلية"، ومنعا للحرج لاسيما وأن المسيرة أكدت على سلميتها وشعبيتها قبل انطلاقها، ورغبتها في تحقيق مكاسب وطنية محط أمل واطلاع الكل الوطني الفلسطيني.
ويوضح العجرمي لصحيفة "فلسطين" وهو دبلوماسي سابق، أن "فتح" وبالتدقيق في موقفها لم تنسحب من اللجنة الوطنية العليا لمسيرة العودة فحسب بل عادت إلى حقيقة موقفها المناوئ للمقاومة بكافة أشكالها وحتى السلمية التي "تتغنى بها".
ورأى أن موقف "فتح" الذي يسوقه ويقرره رئيس السلطة محمود عباس، المتمثل في الانسحاب من مسيرة العودة يتماهى تماما مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي يرفض المسيرة ويشنّع المشاركة فيها، ويعدها من مسوغات وتحركات "الإرهاب".
وذكر العجرمي أن السلطة لا تجد نفسها إلا سلطة وظيفية تخدم الاحتلال، وهو ما جعلها تأمر فتح بالانسحاب من مسيرات العودة، فيما تواصل في اتجاه آخر معركتها الموجهة ضد غزة باستمرار فرض العقوبات عليه.
ويلفت إلى أن السلطة لم تتبن فعليًا الحراك السلمي ضد الاحتلال يومًا من الأيام، بقدر ما أن كل ما صدر منها في هذا المنوال كان ظاهرة "صوتية"، فيما رأت أن الحراك في غزة المتعلق في مسيرة العودة من شأنه أن يخفف حالة الخناق والحصار المفروض عليها.
حالة متكاملة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي سميح خلف أن السلطة تعمل على كبت الحالة الشعبية ومتطلباتها وأهدافها الوطنية، ورأت بصورة أو أخرى أن مسيرة العودة تمثل حالة شعبية وطنية متكاملة دفعها لسحب حركة فتح منها بما تلقي في حجرها من وجع.
ويوضح خلف لـ"فلسطين" أن الانسحاب من مسيرة العودة يعود لرؤية السلطة بأن هناك إنجازات فعلية تحققها المسيرة بفرض نفسها على الواقعين الاقليمي والدولي، وارتقائها إلى مستوى دفع الدول الكبرى لإيجاد حلول للوضع المعيشي بغزة.
ونبه إلى أن برنامج حركة فتح ومنذ "تدويرات وتحويرات" البرنامج المرحلي والنقاط العشر وصولا إلى إعلان الاستقلال في عام 88 والذهاب إلى "أوسلو"، "لا يُقر أي نوع من أنواع المقاومة"، مشيرا إلى أن المقاومة الشعبية التي تعني مقاومة الاحتلال ومواجهته بكافة الطرق والوسائل هو شعار تستخدمه "فتح عباس" فقط للحالة الاعلامية والاستدرار العاطفي.
وذكر خلف أن السلطة وقواها الأمنية في رام الله يكثفون من مراقبة النشطاء وتحولهم إلى الاعتقال أو التحقيق لمشاركتهم في أي مسيرة تتجه لنقاط التماس مع قوات الاحتلال، ما يدلل أنها لم تكن مع فكرة المسيرات السلمية.