فلسطين أون لاين

​طائراتنا الورقية من أسلحتنا الشرعية ‏

...
دكتور عبد الحميد جمال الفراني - الأستاذ المساعد في التاريخ كلية المجتمع -جامعة الأقصى

يذكر التاريخ أن أول من استخدم الطائرة الورقية هو القائد الصيني (هان سين - بمائتي سنة قبل ولادة المسيح)، والذي حداه إلى ذلك أنه حوصر هو وجنده في مدينة فاتخذ هذه الوسيلة للمفاوضة مع جيش يأتي لإمداده.

فالطائرة الورقية أول ما تم اختراعها لم تكن لغرض الترفيه ولعب الأطفال كما هو معروف اليوم، وإنما اخترعت لغرض عسكري بحت، ثم بعد ذلك أصبحت اللعبة المفضلة للصغار والكبار.

والطيارة لعبة شائعة، تتخذ في الأغلب من القرطاس. وتكون على أشكال مختلفة، ولكل منها اسم خاص في بلادنا العربية، فمنها ما يسمى بالطيارة العربية، وما يسمى بالطيارة العجمية (أي الفارسية أو الإيرانية) ومنها ما يسمى بالطيارة الافرنجية، ومنها يعرف باسم المربعة؛ والمستطيلة، والعقرقة، وغير ذلك.

وكيفية صنعها معروفة لاشتهارها. وهي تسمى بالفرنسية - وبالإنكليزية أو - وبالألمانية - وبالإيطالية وبالإسبانية وباللاتينية وبالنرمندية وبالتركية (أوجورتمة) وبالفارسية (بادبر، بادير، كاغد باد، باديرك، باد بادك أو باد برك). ووجود هذه الألفاظ في اللغات المحدثة دليل على أن استعمالها غير مختص بصبية العرب.

أما كيفية إرسالها فيكون بأن يركض صاحبها بخلاف مهب الريح، وأن يطلق لها رويداً رويداً الخيط الذي يربطها. وقد لاحظ أصحاب النظر أن الطيارة ترتفع صعوداً، وترسم على الأفق زاوية حادة لا تتجاوز الخمس والأربعين درجة. وإذا أردت أن لا (تضرب طيارتك رأساً) إلى اسفل شد بأسفلها (ذيلاً) تتخذه من الخرق المعقدة، أو من الكاغد الملفوف، على أبعاد متساوية أو تكاد، وتشدها كلها بخيط، وذاك الخيط يمسك التوازن في طيرانها.

وللهنود ولع خاص بها. ولهم مهارة فائقة في تطييرها. وقد يجعلون الفضاء ساحة حرب تشب نارها بين طياراتهم. والمنصور فيها من قطع خيط طيارة صاحبه. وهذا يكلفهم نفقات باهظة.

وقد يجعل لهذه الطيارات بعض وريقات خصوصية تدوي في الهواء ونسمع أصواتاً مختلفة يسمونها (السنطور)؛ والطيارة التي فيها السنطور يسمونها (أم السنطور) وبعض الأحيان يصعدون إلى الطيارة خرقة أو قطعة ورق أو مصباح يرسلونها على الخيط الذي باليد، فيسمون هذه القطعة (الساعي) كأنها تسعى بمنزلة الرسول إلى الطيارة.

وقد وجدت للطيارة أصلا عند العرب في سابق الزمن، وقد احتال بها مسيلمة الكذاب على قومه فصنع راية من رايات الصبيان التي تعمل من الورق الصيني ومن الكاغد وتجعل لها الأذناب والأجنحة وتعلق في صدورها الجلاجل وترسل يوم الريح بالخيوط الطوال الصلاب، فبات القوم يتوقعون نزول الملائكة، ويلاحظون السماء، وأبطأ عنهم حتى قام جل أهل اليمامة وقويت الريح فأرسلها، وهم لا يرون الخيوط. والليل لا يبين عن صورة الرق وعن دقة الكاغد، وقد توهموا قبل ذلك الملائكة. فلما سمعوا ذلك ورأوه تصارخوا. وصاح: من صرف بصره ودخل بيته فهو آمن، فأصبح القوم وقد أطبقوا على نصرته والدفع عنه..

وكانت هذه اللعبة تسمى عند العرب (براية الشادن). لأن اسمها عند الأعاجم يعني هذا المعنى تقريباً. فمعنى اللفظة الفرنسية (الأيل أو الشادن الطائر) ومعنى الإنكليزية (الحدأة الطائرة) ومعنى الألمانية (راية التمساح أو التنين) ومعنى الإيطالية كمعنى الفرنسية، ومعنى الإسبانية (المذنبة) وهكذا إلى سائر حروف اللغات.

واليوم يستخدم الغزيون الطائرات الورقية كسلاح شرعي سلمي في مسيرات العودة وكسر الحصار، وقد أحدثت أضرارًا بالغة وخسائر مؤلمة في جبهة العدو رغم بساطتها، جعلت العدو في تخبط وحيرة من أمره رغم امتلاكه أحدث الإمكانيات العسكرية واللوجستية.

من يستطيع منع أطفال غزة ومقاوميها من إطلاق هذه الطائرات بسيطة الصنعة، قليلة الكلفة، بالغة التأثير؟ فطائراتنا ورقية صنعناها لأغراض شرعية، تحمل أمل العودة وترنو إلى رفع الحصار، ومتى تحقق ذلك فلن تتعدى طائراتنا الورقية غير سبيل المرح الطفولي واللعب الصبياني، وأما غير ذلك فلن تحمل في ذيلها إلا النيران ولا شيء إلا النيران.