ليس بعيداً عن وجهة نظر بعض القيادات الإسرائيلية، والتي تقول إن التصعيد على جبهة غزة يهدف في النهاية إلى التهدئة، هذا التفكير ليس بعيداً عن قرار المقاومة الفلسطينية القائم على الرد على القصف بالقصف، وبالتالي فإن رد رجال المقاومة على مبادرة فك الحصار ستكون بالتهدئة، لتكون المحصلة النهائية لهذه المعادلة الجديدة هي تغيير الواقع القائم، وعدم الرجوع إلى ما كان عليه الحال قبل 83 يوماً، تاريخ بدء مسيرات العودة، وعدم القبول بمعادلة التضحية بلا ثمن، وأن يواصل الفلسطيني تقديم الدم والنفس على خطوط الهدنة دون أن يدفع الإسرائيلي الثمن، فبقاء هذا الحال على ما هو عليه لا يخدم القضية الفلسطينية، ولا يخدم السلام الذي يشتاق إليه الفلسطينيون، ولا يخدم غزة المحاصرة، ولا يخدم المقاومة التي تتغذى على الحركة.
لقد صرخت صفارات الإنذار في محيط غزة الصهيوني 33 مرة من الساعة الواحدة حتى الساعة الخامسة فجراً، وهذا مؤشر خطير بالنسبة للإسرائيليين، ومع ذلك، فقد التزمت القيادة الإسرائيلية بمحدودية الرد، وحذرت من تغيير قواعد اللعب، الذي تغير بالفعل عشية 29/5، حين تعرضت المستوطنات الإسرائيلية إلى أكثر من مئة قذيفة في ليلة واحدة، فبات عدو الشعب الفلسطيني يألم كما يألم الفلسطينيون.
مسيرات العودة التي هدفت إلى كسر الحصار، وبعث القضية من سبات، والعودة إلى جذر الصراع مع الإسرائيليين والقائم على حق العودة، مسيرات العودة هذه لا تمشي على عكاكيز العجائز، مسيرات العودة رسالة شفوية للمجتمع الدولي والعربي والفلسطيني والإسرائيلي بأن خلف الرسائل الشفوية رسائل تحريرية، وخلف المسيرات السلمية مقاومة مسلحة، لن تظل في حالة صمت وانتظار، طالما تواصَل هذا الحصار، فالمقاومة الفلسطينية التي خزنت السلاح لم تقصد أن تستقوي فيه على الشعب، ولم تهدف إلى الاستعراض العسكري، ولم تهدف إلى التبجح والتباهي، سلاح المقاومة تم تحضيره ليرد على كل عدوان إسرائيلي.
وكانت جملة القصف بالقصف هي رسالة المقاومة الفلسطينية الميدانية التي تنطق بلسان كل فلسطيني أينما تواجد، والتي تتحدى صفقة القرن، وترفض الفصل بين غزة والضفة الغربية، وترفض إعفاء الاحتلال الإسرائيلي من مسؤوليته عن أوضاع السكان في غزة والضفة والقدس، وترفض مقولة الاحتلال الإسرائيلي بأننا تخلصنا من غزة.
القصف بالقصف رسالة غزة التي ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي، وما زالت تقاوم الاحتلال، وإذا كان مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يجتمع لمدة أربع ساعات دون التوصل لأي قرار بشأن فك الحصار عن غزة، فإن القصف بالقصف جرس إنذار يدق على طاولة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، ويحكي قصة غزة التي ترفض أن يبقى الحال على ما هو عليه.
غزة لن ترجع خطوة إلى الوراء، فإما أن يتحرك المحتلون بشكل جدي، ويعملوا على فك الحصار، وترك غزة تطور قدراتها الاقتصادية والحياتية بحرية، وبعيداً عن الاحتلال الإسرائيلي، على أن يبقى حساب القضية الفلسطينية مفتوحاً على المستقبل، وإما المواجهة الحتمية، والتي بدأت تتدحرج على طاولة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، الذي أمسى ملزماً بالقرار، فإما فك الحصار عن غزة وإما حصار المستوطنات في محيط غزة بالقصف، ولاسيما بعد أن حسمت المقاومة الفلسطينية موقفها، وقالت بلغة فلسطينية واحدة: إن رد المقاومة الفوري والمنسق، وإن انضباط المقاومة الكبير، لهو خير دليل على أن مقاومتنا الحرة قد قالت كلمتها، وإذا قالت المقاومة فعلت بفضل الله وقوته.
فماذا سيفعل المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر؟ وهل يحسب أن الطريق إلى غزة سالكة، أم محفوفة بالمخاطر، وغير مضمونة النتائج كما تقول قيادة الجيش؟