فلسطين أون لاين

​"العيدية" على من استطاع إليها سبيلًا

...
غزة - نبيل سنونو

كل عام تتكرر نقاشات مجتمعية بشأن "العيدية"، من يقدمها، ولمن، وهل هي ملزمة أم لا.

لا أحد ممن واجههم سؤال عن العيدية قال إنها ملزمة، بل قالوا إنها محببة، لكنهم أشاروا إلى أن هناك انطباعًا مجتمعيًّا عامًّا بأنها باتت بحكم "الإلزام".

1 طابع خاص

عندما كان الستيني محمود خليل طفلًا طالما انتظر العيدية من والديه، وهو يذكر جيدًا أنه كان ليلة العيد يهرول إلى والده ليسلم عليه مبكرًا، في رسالة ضمنية يطالبه فيها بما تيسر من المال.

كان ذلك مرافقًا لعادة تحضير الملابس الجديدة وتعليقها بجانب السرير، حيث كان يراقبها طوال الليل حتى صلاة العيد، ولم يكن النوم يصيب عينيه.

يقول خليل الذي لا تكاد تتسلل إلى رأسه شعرة سوداء: "إن العيدية كانت بقيمتها الرمزية لا المادية شأنها شأن الهدية"، وكان إذا حصل على شيكل واحد من والده يشعر بأنه كأنما حاز الدنيا، لأن القضية لا تتعلق بالمال، بل بإدخال البهجة على قلبه.

كان والده يحفظ عن ظهر قلب هذه العادة التي داوم عليها، ولذلك كان يحضر له العيدية ليلة العيد.

يضيف لصحيفة "فلسطين": "لو أعطاني أبي أغورة واحدة كانت ستضفي على نفسي الشعور بالفرحة نفسه".

ويعتقد خليل أن العيدية لا تقتصر على المال فحسب، بل من الممكن أن تكون قطعة من الحلوى، أو الشوكولاتة، وهي تحقق بذلك الهدف نفسه، وهو إضفاء طابع خاص بالعيد.

هذا المسن يحرص على تقديم ما في وسعه لأقربائه بمناسبة العيد، لكنه لا يحول ذلك إلى إلزام يفوق طاقته.

2 نعمة أم نقمة؟

خلف مكتبه في محل لبيع الملابس يتفحص الثلاثيني أبو شهاب سؤالًا عن العيدية، قبل أن يجيب عنه قائلًا: "أخشى أنها تحولت من نعمة إلى نقمة".

يفسر ذلك بأن بعضًا بات ينظر إلى العيدية على أنها ملزمة، وأنه ليس بإمكان الشخص أن يزور أخته أو عمته أو خالته في العيد دون أن يعطيها مالًا، وهو ما يضعه _إن كان غير مقتدر_ أمام خيارين: أن يمتنع عن الزيارة، وهو مرفوض، أو أن يجريها وهو يشعر بـ"الإحراج".

يضيف لصحيفة "فلسطين": "غير ذلك إن بعضًا بات ينظر إلى العيدية على أنها بقيمتها المادية، فعندما تكون العيدية مبلغًا بسيطًا قد لا يلقى هذا رضا الآخرين، بمعنى أنه سيكون محلًّا للانتقاد، سواء أعطى العيدية أم لا".

الأساس _كما يقول هذا الغزي_ هو أن يصل المرء رحمه، وأن يتواصل مع الآخرين، وأن يبادر بالسلام من قطعه، فذلك هو العمل الذي يتمايز به الناس، ويعبر عن القيمة الحقيقية للتواصل الإنساني.

أما العيدية _من وجهة نظره_ فهي على "من استطاع إليها سبيلًا"، أي أن كل شخص يمكنه تقدير ما بوسعه تقديمه عيدية للآخرين، وهذا يتفاوت بين الناس، تعبيرًا رمزيًّا عن الحب، دون أن يكون ذلك بدافع الإلزام الذي قد يحرج من لا طاقة له بدفع المال.

حتى أولئك الذين بإمكانهم إعطاء المال لأقربائهم _يواصل حديثه_ قد تتفاوت قيمة المال الذي يخصصونه عيدية، وهذا طبيعي.

لكن أبو شهاب يشير إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة الناجمة عن الحصار في قطاع غزة، فهو يعيش في حالة استثنائية عن غيره، ما يوجب على الجميع مراعاة ذلك، فلا يكلف رب العالمين نفسًا إلا وسعها.

وبناء على ذلك يؤكد ضرورة أن تبقى العيدية في مكانها الرمزي، الاختياري، المحبب، دون أن تتحول إلى عبء يلقي بنفسه على كاهل الناس، ويمنعهم من الفرحة بالعيد.

ويذكر بأن حلول العيد يلقي على عاتق الناس تحضير مستلزمات كالملابس والضيافة وغيرها، فلا ينبغي أن تكون العيدية كسيف يسلط عليهم.

وذات مرة لم يكن بمقدور أبي شهاب تقديم المال للأطفال في العيد، فلجأ إلى اشتراء الحلوى وتوزيعها عليهم، مبينًا أنه نجح بذلك في إدخال الفرحة إلى قلوبهم، وقد وازن بين ذلك وإمكاناته المادية.

ويتابع: "مما لا يمكن تصوره أن تتحول العيدية إلى أمر ملزم إلى حد يدفع بعضًا إلى الاستدانة".

ويتمم أبو شهاب بتوجيه رسالة: "إن الهدف يجب أن يتغلب على العادات، والهدف هو صلة الرحم وإدخال السرور على الأقارب وغيرهم، فإن استطاع الإنسان أن يقدم المال عيدية إلى جانب ذلك كان بها، وإلا فيجب عدم دفعه إلى الشعور بالإحراج".