سيكتب التاريخ أن يوم 10/6/2018 هو اليوم الأول لهزيمة المتآمرين على المقاومة الفلسطينية في غزة، وأنه اليوم الذي تآلفت فيه قلوب المحبين لفلسطين، وتعانقت مع قلوب الصامدين في غزة، لتصنع في يوم واحد انتصارين، لهما تأثيرهما على مستقبل القضية الفلسطينية:
الانتصار الأول لأهل غزة كان في مدينة رام الله، حيث حضرت غزة بكامل كرامتها في ميدان المنارة، في أول مظاهرة جماهيرية حاشدة، تهتف بجرأة لمقاومة غزة وصمودها، وتعلن تأييدها لمسيرات العودة التي صارت عنواناً للحراك الجماهيري في أكثر من بلد عربي.
الحراك الجماهيري الذي هتف وسط رام الله للمقاومة، واحتقر التعاون الأمني، وأعلن ولاءه لفلسطين، هذا الحراك الرائع يمثل الخطوة الأولى لمزيد من التفاعل الجماهيري في الأيام القادمة في بقية المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وهذا الحراك يأتي على خلاف أمنيات محمود عباس الذي اجتهد وعمل على أن تتفجر جماهير قطاع غزة في وجه المقاومة الفلسطينية، فإذا بها تتحرك غضباً في قلب رام الله النابض بالوطنية والوفاء للمقاومة.
قد يقول البعض: أين هو النصر الذي حققته غزة من حراك رام الله؟ وما علامة هذا النصر المزعوم؟ وهل تغير واقع غزة البائس بعد حراك رام الله؟
هذا السؤال المشروع يأتي جوابه من الانتصار الثاني الذي حققه أهل غزة، حين فرضوا أنفسهم على جلسة الحكومة الإسرائيلية لمدة أربع ساعات متواصلة، لم تطرح خلالها القيادة الإسرائيلية للتصويت أي مشروع قرار لفك الحصار عن غزة، ولكنها أبقت الأمر مفتوحاً لنقاش ثلاثة مشاريع مقدمة من الوزراء الثلاثة، جالانت الذي يتحدث عن مناطق صناعية، وميناء لغزة على الجانب المصري، وشتاينتس الذي يتحدث عن ميناء لغزة في قبرص، وإسرائيل كاتس الذي يتحدث عن ميناء عائم شمال قطاع غزة، وجميع هذه المشاريع الوزارية تهدف إلى فك الحصار عن غزة.
اللافت في اجتماع الحكومة الإسرائيلية هو حضور قادة الجيش الإسرائيلي، ولاسيما رئيس الأركان جادي أيزنكوت، والذي جسد موقفاً مغايراً لموقف وزير الحرب، الذي يمثل التطرف، ويريد أن يحقق مكاسب سياسية حزبية، لذلك اشترط إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، مقابل تخفيف الحصار عن غزة.
إن موقف قيادة الجيش الإسرائيلي من حصار غزة يعكس الدراية الميدانية، والمعرفة الدقيقة للواقع الميداني، بعيداً عن الحزبية وصوت الناخب، لذلك كان اعتراف الجيش باستحالة الحلول العسكرية لمسيرات العودة والطائرات الورقية، اعترافا ضمنيا بقدرات المقاومة الفلسطينية، وانعدام الخطة العسكرية الناجحة لتصفية المقاومة الفلسطينية، وهذا نصر كبير.
النصر في المعارك لا يتحقق بالضربة القاضية في كل وقت، النصر هنا تحققه غزة بتسجيل النقاط، وهذا ما أكدته نتائج الجولات العسكرية والميدانية وجولة مواجهة الحصار والعقوبات.
إن حضور غزة في دوار المنارة يوم الأحد بعد المغرب، وحضورها على طاولة مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد قبل المغرب، ليشير إلى أن الذي يصنع الحدث السياسي الفلسطيني هم أهل غزة، وأن الباعث للقضية الفلسطينية من رقاد هم أهل غزة، وأن الفعل والقرار والمستقبل السياسي للقضية الفلسطينية هو صمود أهل غزة، التي حملت سلاح المقاومة، وحملت بالحرية في ساحة الجندي الجهول، لتلد الرجولة والشهامة والمجد في دوار المنارة في رام الله.