فلسطين أون لاين

​تراويح الحدود جهادٌ وعبادة

...
غزة - خاص "فلسطين"

يشتاق المسلمون في أنحاء العالم إلى شهر الله الكريم رمضان, ليصوموا نهاره ويقوموا ليله, فصلاة التراويح عبادة يتقرب بها المسلمون إلى الله في رمضان, لكن الفلسطينيين هذا العام اختلفت تراويحهم عن الأعوام السابقة, اختلف المكان ولم يختلف الزمان, شدوا رحالهم إلى السلك الفاصل بينهم وبين أراضيهم المحتلة.

كانت أعينهم مصوبة ومشرعة نحو بلادهم التي هجروا منها، وهم يتضرعون إلى خالقهم ويدعونه في سجودهم أن تكون صلاتهم في الأعوام القادمة على أرضهم المسلوبة منذ سبعين عامًا.

حاج سبعيني في العمر يرتدي جلبابه الأبيض وطاقية رأس تعطيانه شموخًا وهو يصطف في السطر الأول لصلاة التراويح على الحدود الشرقية لمخيم البريج, يقف بكل خشوع وتضرع إلى الله.

الحاج أبو باسل شاهين اللاجئ من بلدة وادي حنين قضاء الرملة قال لــ"فلسطين": "بعد صلاة العصر من كل يوم في رمضان أذهب مع مجموعة من الأصدقاء والجيران إلى خيام العودة شرق غزة، لنكمل ما بدأناه".

وتابع: "نتفقد الشباب في الوحدات العاملة شرق البريج: وحدة الطائرات الورقية ووحدة "الكوشوك", ونشد من عزائمهم، ونمدهم بكل ما ينقصهم"، مبينًا أنهم بعد ذلك يجلسون في خيام العودة ليشاركوا في الفعاليات التي تعقدها الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار.

وذكر أنه بعد انتهائها يعقدون جلسات تلاوة قرآن (الورد الرمضاني اليومي) حتى أذان المغرب, ويفطرون على تمرات وما قسم الله, وينتظرون أذان العشاء ليجهزوا أنفسهم لأداء صلاة العشاء وصلاة التراويح, يصطفون أسطرًا موجهين وجوههم نحو أراضيهم المحتلة عام 1948م.

أكمل الحاج شاهين: "هنا على السياج الفاصل الجو لطيف جدًّا, نشتم رائحة بلادنا, ونتمتع بالصلاة, هدوء كامل يعم المكان وكأنك تصلي في الحرم, والله عندما أصلي أشعر كأني داخل أراضينا المحتلة, وفي وادي حنين تحديدًا, وجودي هنا وحده يبعث السعادة والفرح بداخلي".

وتابع حديثه لـ"فلسطين" :"نذهب في كل يوم لنثبت للعالم أجمع أن هذه الأرض لنا, وأنه ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة, ولكي نقول للاحتلال إن هذه الأرض أرضنا ولا مكان لكم فيها, وأنتم وحكومتكم إلى زوال, وسنظل متمسكين بكلامنا ولن نتوقف أبدًا عن المطالبة بحق العودة، الحق الشرعي لنا, وأن فلسطين هي عاصمة القدس الأبدية".

أضاف والغضب يملأ عينيه: "سكوتنا هو من أعطى الأمريكان فرصة لنقل السفارة وإصدار قرار "صفقة القرن" الباطل الذي صرح به ترامب, ولا يمكن أن تتم، نحن من يقرر ماذا سيحصل بفلسطين, نحن أصحاب الشأن الأول".

وأشار إلى أنه يذهب وعائلته أحيانًا، وأحيانًا مع الأصدقاء وشباب المسجد, قائلًا: "نحن ذاهبون ونعلم أننا إما أن نستشهد أو نرجع بإصابة أو نعود إلى أراضينا في الـ48, أصيب ابني ثلاث مرات، لكننا مصرون على الوجود في مخيمات العودة, ولدينا العزيمة والإصرار الكبير، والحمد لله".

وبنبرة تحدٍّ تابع: "أي خوف يزرع في قلوبنا والأرض مسلوبة منا؟!, لا بل كلنا قوة ومواجهة لليهود, ولا يهمنا أي خوف ولا نفكر به نهائيًّا, لا خوف منهم ولا من معداتهم ولا من طائراتهم، نصلي وكلنا خشوع لله وحده".

أبو باسل أنهى حديثه وعيناه تلمعان من أثر دموع: "مستعدون أن نقضي رمضان من كل سنة هنا على الحدود، ولن نكل ولن نمل من وجودنا, على الأقل إن لم نعد إلى البلاد فإننا نقف هنا على الحدود، ننظر إليها لنشعر كأننا بها".