فلسطين أون لاين

الطبيب والفنان علاء اللقطة يروي لـ" فلسطين":

لو "المقصّ" و"الرّيشة" ينطقان لاعترفا بفضل أخي

...
كتبت/ حنان مطير:

كما شجرة توتٍ قُطِعت من بين البساتين، أو كشمسٍ غائبة عن بلاد الثَّلج، إنه النور الساطِع المُطفَأ، هو المرسَى الغائب عن المرفأ.

لكن جذور تلك الشجرة ما تزال مغروسةً في أرض الحب، وما يزال دفء الشمس محفوظًا في القلب، أمّا النّور وإن انطفأ، فنور قلبِه وعملِه مُشعٌّ ينير لـ"علاء" المسيرَ والدّرب، إنه كما قال عنه لفلـسطين: "لولاه لما كنت ما أنا عليه اليوم".

هو فايز اللقطة، الأخ الأكبر للطبيب الجراح ورسام الكاريكاتير علاء اللقطة، وهو صاحب الفضل الكبير في حياتِه والذي خطّ النّجاح في كل خطواتِه.

الفنان علاء هو ضيف فلسطين فيزاويتها الرّمضانيّة "أهل الفضل" لهذا اليوم، وهو الممتنّ حتى العُمق لأخيه فايز الذي عاش حنونًا كريمًا كشجرة التّوت، وبلا سابق علاماتٍ خطفته براثنالغياب والموت، وتلك روايته القصيرة..

لم تكن هناك ذكريات طفولةٍ تجمع بين ضيفِنا علاء وأخيه الأكبر فاير "أبو محمد"، الذي يكبره بـ "18 عامًا"، فقد كان فارق السن بينهما كبيرًا، فحال ذلك دون شعوره بإحساس الأخوّة، ناهيك عن اغترابِه لتلقّي العلم في مصر ثم العمل في الإمارات، لقد كان صاحب الفضل عليه -وكلهم أصحاب فضل- وفق قولِ ضيفنا.

ويضيف:" كل ما أذكره من طفولتي معه زياراته السنوية في الصيف محملا بهدايا قيمة من لبس وكساء لمدة عام تميزت به على الكثير من أقراني في الحي".

ويتبع:" وكذلك أذكر لهفة أبي وأمي للقائه وأجواء البيت المفعمة بالفرح لقدومه واضحة، مما جعل نظراتي إليه كطفل تتعلّق به، مراقبا كل همسة أو ضحكة أو حركة منه".

لذلك عندما كبر الفنان علاء -وكان لأخيه فايز فضل رعايته وتعليمه واحتضانه بالغربة وقربه منه- صار إحساس الابن تجاه أبيه هو السائد في علاقاته معه، ولعل الأدب الجم الذي تربوا عليه سهَّل من ولوج هذا الإحساس لقلب ضيفنا.

ويذكر الفنان علاء أن أخاه عاش طفولته في زمن كان قريب العهد بالهجرة 1948 ولذلك كان الرزق شحيحا والحياة صعبة تجرع فيها كأخ أكبر مرارة كل شيء.

ويروي لفلسطين:" كان يحدثني عن ظروف دراسته وهو لا يملك ثمن الحقيبة يسير على قدميه وهو طفل صغير بضع كيلومترات يوميا ليصل المدرسة حتى يوفر ثمن المواصلات ولازمته صعوبة الحياة حتى وهو في جامعة عين شمس بالقاهرة حيث كان يقتسم الرغيف الحاف مع زملائه ليتغلبوا على قساوة الحياة".

بعد تخرجه من كلية التجارة وإدارة الأعمال توجه للعمل في الإمارات، وكان يدرك منذ بداية شبابه أن حملا ثقيلا ينتظره كأخ أكبر تجاه عائلة كبيرة تعيش ضنك المخيم وقلة ذات اليد.

عمل أخوه ليل نهار وآثر حياة إخوته على حياته وأصبح لهم أبا ثانيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

يعبّر:" لقد أخر قطار زواجه حتى محطته الأخيرة سن الثلاثين ليطمئن أولا على إخوته".

أبو محمد تكفل بتعليم أخته التي تليه في بيروت لتعود مدرسة في مدارس وكالة الغوث الأونروا حتى اللحظة،ثم تعليم أخيه الثاني في كلية الطب برومانيا ليتخرج طبيبا للأطفال، ثم تعليم أخيه الثالث في كلية الهندسة جامعة عجمان ليصبح مهندسا إلكترونيًّا ورجل أعمال ناجح.

وأخيرًا تكفّل تعليم الفنان علاء في كلية الطب برومانيا ليحصل على درجة الاختصاص في جراحة التجميل، وفي هذه الأثناء كان يلبي كل ما تحتاجه العائلة الكبيرة ودكان الوالد في سوق فراس حتى كبرت تجارته واتسع رزقه – وفق ما يخبرنا-.

ويستذكر:" لم أشعر يوما ضجرا منه أو شكوى بل لا أذكر أنه أحوجني في يوم ما لأن أبادره بطلب رسوم الدراسة أو مصاريف المعيشة بل كان يبادرني بالعرض ويرسل لي أكثر مما أحتاج".

ويواصل:" لم يكن (بنكا) يؤدي مهمة الإنفاق بل كان حنونا يتفقده باتصالاته الدورية، والزيارات في غربته، اشترى لي سيارة وشقة وأنا لازلت طالبا، وكأنه يريد أن يعوض حرمان أيام دراسته الجامعية في شخصي".

كلما كان اللقطة يشعر بإثقاله لكاهل أخيه بمصاريف دراسته الباهظة كان يقول له: "الفلوس بتروح وبتيجي لكن الأخ لا يعوّض".

ويكمل: "كان يصحبني معه في كل مكان ومناسبة ويقدمني لأصحابه ومعارفه باسم د. علاء أخي الصغير، وأثناء زيارتي له في عام 1994 أذكر أنني رسمت أربع أو خمس رسومات كاريكاتير فأعجب بها وما كان منه إلا أن صحبني لمقر صحيفة الخليج الإماراتية ودخل على قسم التحرير وقدم لهم موهبتي لتكون أول أعمال تنشر لي ولم أكن يومها قد خطر ببالي احتراف الكاريكاتير".

كان يمنيه لعمل الاختصاص في لندن ليصبح طبيبا حاصلا على أرفع الشهادات، لكن القدر لم يمهله، فقد توفي فجأة دون مرض أو شكوى وهو في سن 46.

يعبر:" حتى هذه اللحظة أعيش حالة الذهول والصدمة وأخشى المكالمات الدولية، بكيته كما لم أبكِ أحدا من قبل، ستة أشهر لم أقوَ فيها على معاودة حياتي الطبيعية انقطعت فيها عن الكلية والدراسة وعزفت عن الزواج حتى قاربت الثلاثين".

شاخ والداه وهرما بسرعة كبيرة وفقدا شهية الحياة من بعده حتى توفيا ودفنا بجانبه، أما اللقطة فما زال حتى اليوم يراه في منامه من وقت لآخر وما زال يدعو له في كل صلاة".