فلسطين أون لاين

بين تقوى الله وتقوى أمريكا تضيع الشعوب؟؟!!

...

شهر رمضان تكثف فيه الشعوب الإسلامية علاقتها مع الله، وتحاول جهدها الوصول إلى هدف الصيام وهو تقوى الله، وهنا نجد المسلم بشفافية قلبية عالية يتحسس قيم التقوى ويحاول تجسيدها لتصبح واقعا عمليا في حياته ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

وتجد الشعوب نصيبها من قيم التقوى في ميادينها الاجتماعية والاخلاقية ليقف الغني مع الفقير ويتراحم الناس فيما بينهم وليذكروا الله كثيرا في أيام معلومات، يزكون بها نفوسهم ويرقّون بها قلوبهم، وبالتالي يعكس هذا نفسه على أخلاقهم وأحوالهم..

ولكن عندما ينظر المسلم ويلتفت من الميدان الاجتماعي إلى السياسي يجد العجب العجاب.. تتبدل تقوى الله ليجد تقوى أمريكا، يجد الحسابات تختلف، وبدل أن تحسب حساب خالقها تحسب حساب أمريكا، ولتجد لنفسها مكانا في الحضن الأمريكي، وأفعالا تتجسد في السعي الحثيث امتثالا للإرادة الأمريكية، فلا تتحرك حركة ولا تسكن سكنة الا بما يرضي هذا الرب المعبود من دون الله.. وهكذا تفترق الامور فإما تقوى الله التي تختارها الشعوب أو تقوى امريكا التي تختارها الحكومات والسياسات العامة التي تنسجم انسجاما تاما مع الارادة الامريكية!

وتجد الشعوب نفسها تائهة ضائعة في هذه المسافة ما بين تقوى الله وتقوى أمريكا، بين ما تريد وما يريد من يصنع قرارها ويحكم مصيرها، هي تريد تقوى تحررها من اية تبعية او هيمنة أو خضوع لقوى الاستكبار العالمية، تقوى تجعلها ذات قرار سيادي مستقل، تقوى تحررها من اية سيادة لغير الله.. وبالتالي تحقق ذاتها المستقلة وتسعى نحو تحقيق اهدافها من غير ان تدور في الفلك الامريكي ، بينما من يملكون القرار يصرون على هذا الفلك النكد الذي لا يدع للبلد اية فرصة للاستقلال او تحقيق الذات أو السير في مسار الدول التي تطور ذاتها وتسعى نحو اوضاع سياسية واقتصادية أفضل.

ومن المعروف بداهة أن هذا العلو والاستكبار الامريكي لا يسمح للدول التي تسير في فلكه أن تطور ذاتها وأن تعتمد على نفسها في الاقتصاد والتصنيع والتطوير خشية الانفكاك من هذا الفلك أو الخشية من خسارة سوق استهلاكية، لا بد من ابقاء الحبل السري موصولا أو الرضاعة المستمرة التي لا تصل الى الفطام مطلقا، المطلوب هو الاعتماد الكامل وأن تبقى مستعمرات تابعة ومستباحة بكل ثرواتها ومقدراتها حتى النخاع. وإن سمح لها فبهامش لا يخلُّ بهذه المعادلة العامة.

رسالة الشعوب الى حكامها ومقرري سياساتها في رمضان ان تقوى الله وتقوى أمريكا لا تجتمعان فإما هذه أو تلك، اذا اردنا الاولى فلا بد من التحرر من الثانية كلية، وكما ان أمريكا لا تقبل الشراكة وتريدنا أجراما ندور في فلكها وحدها كذلك تقوى الله لا تقبل الشراكة، تريد استقلالا كاملا وحرية تامة من ان ندور في اي فلك غير فلك الله، وألا تكون لنا أية عبودية لأحد سواه. وإن هذا التناقض النكد بين تقوى الله للشعوب وتقوى امريكا لمن يقود هذه الشعوب لن ينتج خيرا ولن يصنع عزا ولن يحقق مصيرا، بين هذه وتلك تضيع الشعوب وكما قالوا : "بين عبوسة الذئب وابتسامة الثعلب يفنى القطيع ."