قبل 38 عاماً، بدأ الشيخ يوسف أبو سنينة، أول صلواته إماماً رسمياً للمسجد الأقصى في مدينة القدس، ليكون أصغر أئمة المسجد سناً آنذاك، وتمضي السنوات ليصبح أحد أبرز خطباء وأئمة الحرم القدسي الشريف.
وبعد ثلاثة عقود، صدح خلالها صوت "أبو سنينة" (59 عاماW) في أركان "الأقصى" وساحاته خاصةً في صلاة التراويح خلال شهر رمضان المبارك، بات من الأصوات الشهيرة بين المصلين الذين يأتون من القدس والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 48م.
رحلة الرجل في الإمامة بالمسجد الأقصى بدأت عندما كان عمره 21 عاماً، وكان حينها قد تخرج من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتم تعيينه لإمامة الصلوات الجهرية (الفجر والمغرب والعشاء) في المسجد.
ويقول إمام الأقصى، إنه "منذ ذلك الحين وحتى الآن وأنا أقوم بهذه المهمة الربانية، ابتغاء مرضاة الله، ومن أجل خدمة المسلمين بالمسجد".
وقبل أن ينال "أبو سنينة" لقب إمام المسجد الأقصى، كان أحد أساتذته قد توقع له أن يصبح إماماً له عندما كان في الثالثة عشر من عمره.
ويقود الشيخ الإمام حالياً، فريقاً من 4 من حفظة القرآن الكريم، يتناوبون كل ليلة على إمامة المصلين بـ"الأقصى" في 20 ركعة من صلاة التراويح.
ويبدأ حفظة القرآن الأربعة إضافة إلى "أبو سنينة" في تلاوة المصحف الشريف بصلاة التراويح من أول صفحاته في الليلة الأولى لشهر رمضان، على أن يتم اختتامه كاملاً في ليلة الـ27 من الشهر التي توافق "ليلة القدر".
وعن ذلك يقول "أبو سنينة": "في ليلة القدر عندما نختم المصحف يكون أكثر من 300 ألف مصل في هذا المسجد المبارك".
وتشير تقديرات دائرة الأوقاف الإسلامية (التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية)، المسؤولة عن إدارة الأقصى، أن عشرات آلاف المصلين يشاركون كل ليلة خلال رمضان في صلاة التراويح بالحرم القدسي.
ويؤكد "أبو سنينة" أن الإقبال على الصلاة في المسجد الأقصى كبير، بخلاف ما كان عليه الحال بالأعوام التي أعقبت الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس عام 1967.
ويضيف: "يحضر آلاف المصلين يومياً لصلاة التراويح، وفي أيام الجمعة والخميس من كل أسبوع يحضر أكثر من 50-60 ألف مصل، وفي صلاة الجمعة يحضر ما يزيد عن 250 ألفاً".
ويعتبر الشيخ "أبو سنينة" أن ازدياد أعداد المصلين يأتي رداً على إجراءات الاحتلال الإسرائيلي ونظيرتها الأمريكية ضد المسجد، خاصة القرار الأمريكي الأخير الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المحتلة.
ويصل المسجد الأقصى في شهر رمضان عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يقطنون بالضفة الغربية رغم قيود الاحتلال التي تمنع الذكور دون سن الـ 40 عاماً، من الوصول للقدس.
وعن ذلك، يقول أبو سنينة: "الحمد الله أن الكثير من الشباب المسلمين يحضرون للأقصى خاصة بأيام الجمعة، رغم أن هناك قوانين صارمة من قبل قوات الاحتلال، ولكن هذه إجراءات بشرية والإجراءات الإلهية أكبر من ذلك بكثير".
ويصل الشبان الفلسطينيون من الضفة الغربية إلى القدس عبر ثغرات في الجدران والحواجز الإسرائيلية، أو من خلال تسلق جدار الفصل المحيط بالمدينة المقدسة، والذي يصل ارتفاعه 8 أمتار.
وعلى مدى عمله خلال العقود الثلاثة الماضية في الأقصى، شاهد الشيخ "أبو سنينة" الكثير من الأحداث المؤلمة، ولكن أكثرها إيلاماً بالنسبة له كانت المجزرة الإسرائيلية التي وقعت ضد المصلين بالمسجد عام 1990.
وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 1990، حاول مستوطنون وضع حجر الأساس لما يسمى بـ"الهيكل الثالث" في ساحة المسجد الأقصى، فقام أهل القدس بمنعهم ووقع على إثر ذلك اشتباك بين المصلين والمستوطنين قبل أن يتدخل جنود الاحتلال ويمطروا المصلين بالرصاص، ما أسفر حينها عن استشهاد 25 فلسطينياً وإصابة أكثر من 1500.
وعلى الجانب الآخر، فإن أسعد لحظات "أبو سنينة" في المسجد، هي عندما يخطب في الناس قبل صلاة الجمعة، أسبوعياً.
ويقول: "عندما أعطي الدرس قبل صلاة الجمعة أشعر وكأنني أعيش في جنة نعيم فمن أجل أوقات الحياة أن يجلس الإنسان مع تلاميذه".
ويوجه الشيخ الفلسطيني الدعوة إلى المسلمين لشد الرحال إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه، ليكون ذلك رداً على اعتداءات الاحتلال عليه.