في الذكرى الـ51 للنكسة، في الخامس من حزيران/ يونيو 1967، تقترب (إسرائيل) التي احتلت آنذاك الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان السورية، من هدفها الإستراتيجي المنشود بالقدس، وهو التخلص من الفلسطينيين في المدينة المقدسة، للوصول لأقلية عربية تصل إلى 12% من عدد سكان القدس، و88% من اليهود.
مدير مكتب قسم الخرائط التابع لجمعية الدراسات في بيت الشرق بالقدس المحتلة، خليل التفكجي، يقول: "إن واقع مدينة القدس اليوم مأساوي"، مشيرًا إلى أن الاحتلال قام بتوسيع المدينة المقدسة بعد عام 1967، وأقام على الأرض الموسعة 15 مستوطنة يسكنها نحو 210 آلاف مستوطن عبر مجموعة من القوانين التي صادرت أراضي الفلسطينيين، كقانون التنظيم والبناء، وأملاك الغائبين، وما يسمى قانون "المصلحة العامة"، إضافة لقوانين أخرى توسع الاستيطان.
ويقول التفكجي لصحيفة "فلسطين"، إن الفلسطينيين كانوا يملكون القدس كاملة، لكنهم اليوم يملكون 13% منها، وباقي المساحات استولى عليها الاحتلال، وفرض على المدينة المنهاج الإسرائيلي.
وأوضح أنه يجب النظر إلى واقع المدينة من منظورين، الأول الديموغرافي، وعلى هذا الأساس بدأ الاحتلال عملية التهويد منذ عام 1967، من خلال التطهير العرقي وتدميره لحي المغاربة في تلك الفترة، وهدم المنازل، وسحب الوثائق الشخصية المقدسية بعد أن أعطى المقدسي إقامة دائمة بالقدس، لطرد السكان الأصليين.
والمنظور الثاني، بحسب التفكجي، الجغرافي، حيث يهدف الاحتلال لإقامة القدس الكبرى بالمفهوم الإسرائيلي، التي تصل نسبتها إلى 10% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، والتخلص من الفلسطينيين، وضم أحياء يهودية إلى داخل مدينة القدس، من أجل الوصول للهدف الإستراتيجي بأقلية عربية.
وأشار إلى أن الاحتلال قام بتطويق الأحياء العربية الواقعة شرقي القدس من كلّ الاتجاهات، منذ عام 1973، بإقامة خمس مستوطنات، والآن يتم إقامة 26 مستوطنة تعزل الأحياء العربية عن بعضها بعضًا.
ورأى التفكجي أن نقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للاحتلال، أعطى الضوء الأخضر للأخير بممارسة إجراءاته بالسيطرة الكاملة على القدس دون أية ضغوط عليه، ودون الاكتراث لقرارات الأمم المتحدة.
إرهاق المقدسيين
من جانبه، قال الباحث في شؤون القدس ناصر الهدمي، إن واقع القدس وخاصة القسم الشرقي الذي يوجد فيه نحو 200-300 ألف مستوطن، يشهد تغييرًا ديمغرافيًا واضحًا، في ظل اقتحام الاحتلال للأحياء العربية، وتدمير البنية الاجتماعية والنسيج المجتمعي، وتنغيص حياة المقدسيين في التنقل من حيّ لآخر من خلال المستوطنات التي تحميها حواجز وثكنات عسكرية.
وأضاف الهدمي لـ"فلسطين"، أن الاحتلال عمل على إرهاق المقدسيين، في الاستيلاء على ممتلكاتهم ومصادرتها، ومحاصرة الأحياء العربية، لإجبارهم على التفكير بالهجرة، وأن ما يفرضه على التجار من ضريبة "الأرنونا"، وضريبة القيمة المضافة وضريبة السكن هي مخالفة للقوانين الدولية.
وأوضح أن الاحتلال بمجرد أن قام بضم القسم الشرقي لباقي المدينة المحتلة، منع المقدسيين من الحصول على رخص بناء، وصادر أجزاء كبيرة من الأراضي لصالح الاستيطان، وغرس أحياء يهودية شرقي القدس، ما اضطر المقدسيين للبناء بشكل غير مرخص من الاحتلال وبشكل عشوائي لعدم وجود هيكلية للبناء.
وبين أن الاحتلال عمل على القضاء على أي مرجعية وطنية لأهل القدس، عن طريق إغلاق المؤسسات الوطنية، لجعل أهل القدس يتوجهون في معاملاتهم لسلطات الاحتلال، فكان الاحتلال معني بأن لا يكون هناك جهة واضحة ممثلة عن المدينة.
وعن تعامل السلطة مع ملف القدس، قال الهدمي: إن "السلطة ومنذ اليوم الأول لتوقيع اتفاق أوسلو، جعلت القدس خلف أولوياتها، ورحلتها للوضع النهائي الذي لم نصل إليه، وتركت الحبل على الغارب للاحتلال، ليقوم بفعل ما يشاء بالقدس".
واعتبر أن "السلطة كانت أول المتخاذلين والمفرطين بحق مدينة القدس طيلة 25 عامًا، في ظل الإهمال الواضح، والميزانية الضئيلة التي تخصصها للمدينة، وضعف دور وزير شؤون القدس في حماية المدينة".