فلسطين أون لاين

ملامح مجاعة تطل برأسها ..

تقرير شحُّ الدَّقيق وغلاء الأسعار... حرب ثانية يعيشها النَّازحون جنوب القطاع

...
شحُّ الدَّقيق وغلاء الأسعار... حرب ثانية يعيشها النَّازحون جنوب القطاع
غزة/ يحيى اليعقوبي:

لم تتردد أم إبراهيم شاهين من إعادة حب الأفوكادو لمكانها ببسطة بيع الخضار بسوق محافظة خان يونس المركزي المعروف باسم "الضهرة"، بعد معرفة سعرها بمبلغ 22 شيقلاً، اشتهت شرائها لوالدها المسن لكنها فاقت مقدرتها الشرائية.

ويمر جنوب القطاع بملامح مجاعة تطل برأسها وتشتد يوما بعد آخر، نتيجة إغلاق الاحتلال للمعابر ومنع إدخال الكميات الكافية من البضائع، فضلا عن ارتفاع أسعار الخضراوات وشح الدقيق، إضافة لأزمة السيولة وارتفاع نسبة العمولة البنكية من قبل الصرافين والتي وصلت إلى نحو 20-30%، مع صعوبة تداول عملة عشرة شواقل المعدنية، وارتفاع أسعار الوقود، بالتزامن مع معاناة سكان الخيام نتيجة البرد والمطر وعيشهم بخيام مهترئة مع عدم توفير وسائل حماية من المطر كالنايلون والشوادر أو الخيام.

وتقول شاهين التي رسم القهر طريقا في ملامحها لموقع "فلسطين أون لاين": "حاولت شراء حبة أفوكادو لأبي كونه يحبها لكن لم أتوقع أن يصل سعرها بهذا الشكل. قبل الحرب كنا نعيش على مخصصات الشؤون الاجتماعية ولم نعتد على أسعار تصل إلى 50-60 شيقل للخضار كالبصل والطماطم والبطاطس".

تعيل شاهين أسرة مكونة من ثمانية أفراد، وتؤوي نازحين بمنزلها، نفد الطحين لديها، وتردف وهي تقلب كفيها "الله أعلم كيف مدبرين حالنا"، مشيرة، إلى أنها حصلت اليوم على رطل طحين وصلها من فاعلي خير بعد عدة أيام لم تتناول العائلة الخبز.

ورغم أن ملامح المجاعة والأزمة الإنسانية تفاقمت جنوب القطاع منذ نحو شهرين، تلفت شاهين أن المجاعة دخلت منزلها قبل نحو خمسة أشهر فكانت لا تأكل إلا البازيلاء والفاصوليا والعدس.

"بنتي نفسها بمقلة بطاطس" بينما استحضرت كلمات طفلتها تلك، أشارت بيديها لقطف موز وتفاح معروض بالبسطة، وعلقت بسخرية ممزوجة بالقهر: "الفواكه صرنا نشمها شم".

وتفاقمت الأزمة الإنسانية بسبب إغلاق المعابر وإدخال 20- 30 شاحنة في اليوم الواحد نصفها يتم سرقتها من عصابات لصوص تحظى بحماية من جيش الاحتلال، بالتالي ما يصل الأسواق قليل من البضاعة، مما أدى لارتفاع الأسعار بسبب زيادة الطلب وقلة العرض.

أزمة سيولة

وزادت أزمة السيولة النقدية الواقع الإنساني الصعب، بحيث لم يستطع الموظفون سحب رواتبهم المحولة على أرصدتهم البنكية خاصة موظفي السلطة أو العاملين مع المنظمات الدولية، أحدهم حسن الحاج وهو موظف سلطة فلسطينية لم يتمكن من سحب راتبه بسبب ارتفاع نسبة العمولة إلى 30%.

ولا يختلف حال الحاج عن سابقته، فيوضح لـ "فلسطين أون لاين" وهو يجلس على ذات البسطة، أن الطحين نفد لديه منذ نحو شهر، ولا يستطيع شراء زيت الطهي والسكر بسعر 40 شيقلا للتر أو الكيلو الجرام، وكذلك الأرز، أما الخضار فيشتري كمية قليلة حسب الاحتياج اليومي لوجبة الطعام.

وقال "عندما تنزل إلى السوق فإنك تنفق 100 أو 200 شيقل وبالكاد تستطيع شراء غرض أو غرضين تحتاجهم الأسرة"، متسائلا، عن سبب بيع الخضار الذي يأتي باسم مؤسسات وجمعيات ويصل للمواطن بأسعار مرتفعة تبلغ 50-60 شيقلا.

شح الطحين

وبالتزامن مع غلاء أسعار الخضار والملابس، تتفاقم الأزمة الإنسانية مع غياب الطحين وعدم تسليم "الأونروا" للدورة الرابعة للطحين، والاقتصار على مخابز محدودة مدعومة من الأونروا ومنظمات دولية توفر لها الطحين.

 وتشهد أبواب مخبز "القلعة" الوحيد الذي يعمل بمحافظة خان يونس اكتظاظًا كبيرًا من المواطنين بحيث يصطف المواطنين لساعات طويلة لأجل الحصول على ربطة خبز، يتخللها تدافع وفوضى كبيرة.

وأمام المخبز أضرت "أم محمد" التي لم تستطع الوقوف في طابور لساعات طويلة شراء ربطة الخبز بسعر 30 شيقلا علما أن سعرها المباع بالمخبز يبلغ 3 شواقل، وتقول لـ "فلسطين أون لاين" بنبرة وملامح يغلفها الغضب: "اضطررت لشرائها بهذا السعر لأن الساعة الآن اقتربت من الثالثة عصرا وأولادي تسعة يتضورون جوعا".

وأضافت وهي ترفع ربطة الخبز التي تضم 22 رغيفًا بوزن 2 كيلو غرام: "لو أردت تقسيمها على أولادي سيحصل كل فرد على رغيفين تقريبًا، بالتالي لن تشبعههم هذه الربطة، إضافة لارتفاع أسعار الأزر".

وإن استطاعت أم محمد شراء ربطة خبز بسعر مرتفع، فإن يامن شلايل وزوجته غادرا المخبز بعد وقوف كل منهما في الطابور المخصص للرجال أو النساء منذ السادسة صباحا، ولم يفلحا بالحصول على ربطة خبز، ويرجعا سبب ذلك، لعدم "انتظام الطابور بشكل صحيح، ووجود تجاوزات من عاملين داخل المخبز بحيث يسهل بعضهم بيع ربطة الخبز بالسوق السوداء".

يقول شلايل الذي غادر المخبز فارغ اليدين لـ "فلسطين أون لاين" بملامح يغرس القهر أنيابه فيها: "أبنائي ينتظرونني الآن ولم يتناولوا وجبة الإفطار ولا الغداء، والآن مضطر لشراء رطل طحين بسعر 70 شيقلا لكي نأكل، وكل شيء مرتفع والحياة أصحبت صعبة جدا".

إضافة لما سبق، لدى شلايل طفلة تعاني من ضعف النمو فعمرها الآن ثلاث سنوات، لكن وزنها يبلغ 8 كغم، وهذا بسبب ضعف التغذية والأوضاع الصعبة التي تعيشها العائلة.

في السوق، كان أبو أحمد يحمل ضمة "سلق" وأرز عاد بهم للمنزل، بعد حيرة وتجوال طويل بين بسطات السوق، والعودة لمنزله أربع مرات إلا أن استطاع إيجاد وجبة طعام تناسب مقدرته المادية.

سبقت ابتسامة ساخرة ممزوجة بالقهر حديث أبو أحمد لـ "فلسطين أون لاين": قائلا: "أنزل للسوق مجبرا لأجل إطعام أو لادي"، واصفًا الغلاء، بأنها حرب ثانية يعيشها المواطنون.

وإن استطاع أبو أحمد جلب وجبة طعام اليوم، فإنه يشير إلى أنه فشل في مرات عديدة بإيجاد وجبة طعام تناسب مقدرته المادية، مستغربا من هذا "الغلاء الفاحش" في الأسعار مع صعوبة ضبط السوق.

وهذا التأرجح في الأسعار بين الارتفاع والانخفاض يحمل أحمد سليم وهو بائع بسطة منتجات غذائية سببه للتجار، ويقول لـ "فلسطين أون لاين": في كثير من المرات ننزل لسوق تجمع المنتجات الغذائية التي يعرضها التجار، ونشتري بضاعة بسعر معين وعندما نأتي لنبعيه للناس بسعر يضمن لنا مربح قليل، فنتفاجأ بقيام التجار بإنزال السعر بعد بيعها لنا فنتعرض لخسارة إضافة لأننا لا نعرف سعر المنتج الواصل من المعبر للتاجر بالتالي يحدد التجار الأسعار وفق مزاجهم الشخصي".

ارتفاع غير مبرر

أما أكرم أبو روك الذي يعمل في قطاع الزراعة منذ سنوات طويلة ولديه عدة دونمات زراعية، فلا يجدد أي مبرر لارتفاع أسعار الخضار بشكلها الحالي في السوق، محملا التجار الذين يشترون البضائع من المزارعين مسؤولية رفع أسعارها على المواطنين مستغلين أزمة الحرب.

يقول أبو روك لـ "فلسطين أون لاين": "صحيح هناك تكلفة عالية في الزراعة حاليا، فمعظم الآبار يتم تشغليها بالغاز وسعر الإسطوانة يتم تعبئتها بنحو 300 شيقل، وارتفاع أسعار الشاحم (الزبل) إلا أن ذلك ليس سببًا لهذا الغلاء الفاحش"، مشيرا، إلى أن أحد أسباب الغلاء مرتبط بأن كميات الخضار المستوردة من الخارج أو المزروعة في قطاع غزة قليلة مقارنة بحجم الاحتياج مما يزيد سعرها، إضافة لقيام التجار باحتكار البضاعة المستوردة لرفع سعرها.

وعلى سبيل المثال، يلفت أبو روك إلى أن تكلفة زراعة كيلو الباذنجان حاليا لا يتجاوز 6 شواقل، ويفترض أن يصل للمواطن بسعر 8 شواقل، مستغربًا، بيع الكيلو بسعر 18 شيقلا في السوق، مشددا على أن الحل يمكن أن يكون من خلال دعم مؤسسات دولية لمجموعة من المزارعين وجعلهم يبيعون الخضار بأسعار تناسب مقدرة المواطنين لتخفيض الأسعار بالسوق.